أهله بمصر ، فأذن له ، فسار بأهله فى البرّيّة ، فأوى إلى جانب الطور الغربي الأيمن ، فى ليلة مظلمة شديدة البرد ، وكان أخذ على غير طريق ، يخاف ملوك الشام ـ قلت : ولعلهم كانوا من تحت يد فرعون ـ فأخذ امرأته الطّلق ، فقدح زنده ، فلم يور ، فآنس من جانب الطور نارا. ه.
وقال ابن عطاء : لما تم أجل المحنة ، [ودنت] (١) أيام الزلفة ، وظهرت أنوار النبوة ، سار بأهله ؛ ليشتركوا معه فى لطائف صنع ربه. ه. (آنَسَ) أي : أبصر (مِنْ جانِبِ الطُّورِ) أي : من الجهة التي تلو الطور (ناراً ، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطريق ؛ لأنه كان ضل عنها ، (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) أي : قطعة وشعلة منها ، والجذوة ـ مثلثة الجيم : العود الذي احترق بعضه ، وجمعه : «جذى». (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) ؛ تستدفئون بها. والاصطلاء على النار سنّة المتواضعين. وفى بعض الأخبار : «اصطلوا» فإن الجبابرة لا يصطلون».
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) بالنسبة إلى موسى ، أي : عن يمين موسى ، (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) بتكليم الله تعالى فيها ، (مِنَ الشَّجَرَةِ) ؛ بدل من «شاطئ» ؛ بدل اشتمال ، أي : من ناحية الشجرة ، وهى العنّاب ، أو العوسج (٢) ، أو : سمرة (٣). وقال وهب : عليقا (٤). (أَنْ يا مُوسى). أي : يا موسى ، أو : إنه يا موسى (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، قال البيضاوي : هذا ، وإن خالف ما فى «طه» و «النمل» ؛ لفظا ، فهو طبقه فى المقصود. ه.
قال جعفر الصادق : أبصر نارا ، دلته على الأنوار ؛ لأنه رأى النور على هيئة النار ، فلما دنا منها ؛ شملته أنوار القدس ، وأحاطت به جلابيب الأنس ، فخاطبه الله بألطف خطاب ، واستدعى منه أحسن جواب ، فصار بذلك مكلّما شريفا ، أعطي ما سأل ، وأمن ممن خاف. ه.
قال القشيري : فكان موسى عند الشجرة ، والنداء من الله لا منها ، وقد حصل الإجماع أن موسى ، تلك الليلة ، سمع كلام الله ، ولو كان النداء من الشجرة ؛ لكانت المتكلمة هى ، فلأجل الإجماع قلنا : لم يكن النداء منها ، وإلا فنحن نجوز أن يخلق الله نداء فى الشجرة. ه. قلت : وسيأتى فى الإشارة ما لأهل التوحيد الخاص ، وما قاله ـ هو مذهب أهل الظاهر.
__________________
(١) فى الأصول [ودنا].
(٢) شجر من فصيلة الباذنجيات ، شائك الأغصان واحدته : عوسجة. انظر اللسان (٤ / ٢٩٣٧. مادة عسج).
(٣) السمرة : شجرة من العضاه ، وهى من جيد الخشب ، والجمع سمر وسمرات. انظر اللسان (٣ / ٢٠٩٢. مادة سمر).
(٤) العليق. شجر من شجر الشوك لا يعظم. وإذا نشب فيه شىء لم يكن يتخلص منه من كثرة شوكه. ولذلك سمى عليقا. انظر اللسان (٤ / ٣٠٧٤. مادة علق).