والأحزان والمتاعب. وقد كتب على بن أبى طالب إلى سلمان ـ رضي الله عنهما ـ : «إنما مثل الدنيا كمثل الحية ، لين مسها ، قاتل سمها ، فأعرض عنها ، وعما يعجبك منها ، لقلة ما يصحبك منها ، ودع عنك همومها ؛ لما تيقنت من فراقها ، وكن أسرّ ما تكون منها ، أحذر ما تكون منها ، فإن صاحبها ، كلما اطمأن فيها إلى سرور ، أشخص منها إلى مكروه».
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن هذه الدار دار الثوى ، لا دار استواء ، ومنزل ترح ، لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخائها ، ولم يحزن لشقائها ـ أي : لأنهما لا يدومان ـ ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطى ، ويبتلى ليجزى ، وإنها سريعة الثوى ـ أي : الهلاك ـ وشيكة الانقلاب ، فاحذروا حلاوة رضاعها ، لمرارة فطامها ، واهجروا لذيذ عاجلها ؛ لكريه آجلها ، ولا تسعوا فى عمران دار قد قضى الله خرابها ، ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها ، فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين. ه. ذكره ابن وداعة الموصلي.
وذكر أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث : شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه ، إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان ، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا ، حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها ، على فانية لا ينفك عذابها ، وقدّم لما يقدم عليه مما هو الآن فى يده ، قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه ، وقد شقى هو بجمعه واحتكاره».
ثم ذكر مآل من اغتر فيها ، قال :
(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧))