قلت : «هؤلاء» : مبتدأ. و «الذين» : صفته ، والعائد : محذوف ، و «أغويناهم» : خبر. والكاف فى «كما» : صفة لمصدر محذوف ، أي : أغويناهم غيا مثل ما غوينا ، و «لو أنهم» : جوابه محذوف ، أي : لما رأوا العذاب.
يقول الحق جل جلاله : (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بالعذاب ، وثبت مقتضاه ، وهو قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١) ، وهم الشياطين ، أو : أئمة الكفر : ورؤساء الكفرة : (رَبَّنا هؤُلاءِ) الكفرة (الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) أي : دعوناهم إلى الشرك وسوّلناه لهم ، قد غووا غيا (كَما) مثل ما (غَوَيْنا) يقولون : إنا لم نغو إلا باختيارنا ، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم ؛ لأن إغواءنا لم يكن إلا وسوسة وتسويلا ، فلا فرق إذن بين غينا وغيهم ، وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر فقد كان فى مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان ، بما وضع فيهم من أدلة العقل ، وما بعث إليهم من الرسل ، وأنزل إليهم من الكتب ، وهذا كقوله : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ...) إلى قوله : (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) (٢).
ثم قالوا : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم فيما اختاروه من الكفر ، (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) ، بل كانوا يعبدون أهواءهم ، ويطيعون شهواتهم. فتحصّل من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم غرّوا الضعفاء ، وتبرءوا من أن يكونوا آلهتهم ، فلا تناقض. انظر ابن جزى. وإخلاء الجملتين من العاطف ؛ لكونهما مقررتين للجملة الأولى.
(وَقِيلَ) للمشركين : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي : الأصنام (٣) ؛ لتخلصكم من العذاب ، (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) ، فلم يجيبوهم ؛ لعجزهم عن الإجابة والنصرة. (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) لمّا رأوا ذلك العذاب ، وقيل : «لو» ؛ للتمنى ، أي : تمنوا أنهم كانوا يهتدون.
(وَ) اذكر (يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) الذي أرسلوا إليكم؟ أي : بماذا أجبتموهم؟ وهو أعلم بهم. حكى ، أولا ، ما يوبخهم به ؛ من اتخاذهم له شركاء ، ثم ما تقوله الشياطين ، أو : أئمة الكفر عند توبيخهم ؛ لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين ، أو الرؤساء ، استغووهم ، ثم ما يشبه الشماتة بهم ؛ لاستغاثتهم بآلهتهم وعجزهم عن نصرتهم. ، ثم ما يبكّتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل. قال تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) ؛ خفيت عليهم الحجج أو الأخبار. وقيل : خفى عليهم الجواب ، فلم يدروا بماذا يجيبون ؛ إذ لم يكن عندهم جواب.
__________________
(١) الآية ١١٩ من سورة هود.
(٢) من الآية ٢٢ من سورة إبراهيم.
(٣) وكذلك كل ما أشرك مع الله.