كتاب قطب العارفين : الراضي شبه ميت ، لا نفس له ، يختار لها ، فالفقر والغنى حكمان من حكيم واحد ، وهو أعلم سبحانه بعبيده ، وما يصلحون به ، فمنهم من يصلح للفقر ولا يصلح للغنى ، ومنهم من يصلح للغنى ولا يصلح للفقر ، ومنهم من يصلح بالمنع ولا يصلح بالعطاء ، ومنهم من يصلح بالعطاء ولا يصلح بالمنع ، ومنهم من يصلح بالبلاء ولا يصلح بالصحة ، ومنهم من يصلح بالصحة ولا يصلح بالبلاء ، ومنهم من يصلح بالوجهين جميعا ، وهى أعلى رتبة يشار إليها فى غاية هذا الشأن ، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ..) الآية ، ففى هذه الآية كفاية وتعزية لكل سالك راض عن الله تعالى ، لكن لا يعقلها ولا يتلذذ بها إلا مشايخ العارفين. ه. وبالله التوفيق.
ثم برهن على انفراده بالخلق والاختيار ، فقال :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥))
قلت : (سرمدا) : مفعول ثان لجعل ، وهو من السرد ، أي : التتابع ، ومنه قولهم فى الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد ، والميم زائدة ، فوزنه : فعمل.
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) ؛ أخبرونى (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) ؛ دائما ؛ بإسكان الشمس تحت الأرض ، أو : بتحريكها حول الأفق الخارج عن كورة الأرض ، أو بإخفاء نورها ، (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) ، وحقه : هل إله غير الله ، وعبّر ب «من» على زعمهم أن غيره آلهة ، أي : هل يقدر أحد على هذا؟ (أَفَلا تَسْمَعُونَ) سماع تدبر واستبصار؟
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بإسكانها فى وسط السماء ، أو : بتحريكها فوق الأفق فقط ، (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) ؛ استراحة من متاعب الأشغال؟ ولم يقل : بنهار