وقال ابن عطية : إذا وقعت على ما ينبغى ؛ من الخشوع ، والإخبات لذكر عظمة الله ، والوقوف بين يديه ، انتهى عن الفحشاء والمنكر ، وأما من كانت صلاته لا ذكر فيها ولا خشوع ، فتلك تترك صاحبها بمنزلته حيث كان. ه.
فائدة : ذكر فى اللباب أن أول من صلى الصبح آدم عليهالسلام ، لأنه لم يكن رأى ظلمة قط ، فلما نزل ، وجنّه الليل خرّ مغشيا ، فلما أصبح ورأى النور صلى ركعتين ، شكرا. وأول من صلى الظهر إبراهيم ، لما فدى ولده ، وقد كان نزل به أربعة أهوال ، هم الذبح ، وهم الولد ، وهم والدته ، وهم مرضاة الرب ، فصلى أربع ركعات ؛ شكرا لله تعالى. وأول من صلى العصر سليمان عليهالسلام ، لمّا رد الله عليه ملكه. وأول من صلى المغرب عيسى عليهالسلام ، كفارة عما اعتقد فيه من أنه ثالث ثلاثة. وأول من صلى العشاء يونس عليهالسلام ، ولعله هذا الوقت الذي نبذ فيه بالعراء. وأول من توضأ آدم ؛ كفارة لأكله. ه. مختصرا بزيادة بيان. وجمعها الحق تعالى لهذه الأمة المحمدية ؛ لتحوز فضائل تلك الشرائع ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم جامع لما افترق فى غيره.
ثم قال تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ، أي : ولذكر الله ، على الدوام ، أكبر ، فى النهى عن الفحشاء والمنكر ، من الصلاة ؛ لأنها فى بعض الأوقات. فالجزء الذي فى الصلاة ينهى عن الفحشاء الظاهرة ، والباقي ينهى عن الفحشاء الباطنة ، وهو أعظم ، ولأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر لله ، مراقب له ، وثواب ذلك الذكر أن يذكره الله تعالى ؛ لقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (١). ومن ذكره حفظه ورعاه. أو : لذكر الله أكبر ؛ أجرا ، من الصلاة ، ومن سائر الطاعات ، كما فى الحديث : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها فى درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : وما ذلك يا رسول الله؟ قال : ذكر الله» (٢). وسئل : أىّ الأعمال أفضل؟ قال : «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» (٣).
قيل : المراد بذكر الله هو الصلاة نفسها ، أي : وللصلوات أكبر من سائر الطاعات ، وإنما عبّر عنها بذكر الله ؛ ليشعر بالتعليل ، كأنه قال : والصلاة أكبر ؛ لأنها ذكر الله. وعن ابن عباس : ولذكر الله لكم إياكم ، برحمته ، أكبر من ذكركم إياه بطاعته. وقال ابن عطاء : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له ؛ لأن ذكره بلا علة ، وذكركم مشوب بالعلل والأمانى ، ولأن ذكره لا يفنى ، وذكركم يفنى. أو : لذكر الله أكبر من أن تفهمه أفهامكم وعقولكم. أو : ذكر الله أكبر
__________________
(١) الآية ١٥٢ من سورة البقرة.
(٢) أخرجه الترمذي فى (الدعوات ، باب ٦ ، ٥ / ٤٢٨ ، ح ٣٣٧٧) ، وابن ماجة فى (الأدب ، باب فضل الذك ، ٢ / ١٢٤٥ ، ح ٣٧٩٠) ، والبيهقي فى الشعب (٥١٩) ، والحاكم وصححه فى المستدرك (١ / ٤٩٦) ، وصححه ووافقه الذهبي ، من حديث أبى الدرداء.
(٣) رواه ابن حبان فى صحيحه (٨١٥) ، والبراز (كشف الأستار ح ٣٠٥٩) ، من حديث معاذ بن جبل ، وقال الهيثمي فى المجمع : (١٠ / ٧٤) : وإسناده حسن.