من أن تبقى معه معصية. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) من الخير والطاعة ، فيثيبكم أحسن الثواب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر المتعلّقين بالجوارح الظاهرة ، والذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر المتعلقين بالعوالم الباطنة ، وهى المساوئ التي تحجب العبد عن حضرة الغيوب ، فإذا أكثر العبد من ذكر الله ، على نعت الحضور والتفرغ من الشواغل ، تنور قلبه ، وتطهر سره ولبه ، فاتصف بأوصاف الكمال ، وزالت عنه جميع العلل ، ولذلك جعلته الصوفية معتمدا أعمالهم ، والتزموه مع مرور أوقاتهم وأنفاسهم ، ولم يقتنعوا منه بقليل ولا كثير ، بل قاموا فيه بالجد والتشمير ، فيذكرون أولا بلسانهم وقلوبهم ، ثم بقلوبهم فقط ، ثم بأرواحهم وأسرارهم ، فيغيبون حينئذ فى شهود المذكور عن وجودهم وعن ذكرهم ، وفى هذا المقام ينقطع ذكر اللسان ، ويصير العبد محوا فى وجود العيان ، فتكون عبادتهم كلها فكرة وعبرة ، وشهودا ونظرة ، وهو مقام العيان فى منزل الإحسان ، فيكون ذكر اللسان عندهم بطالة (١) ، وفى ذلك يقول الشاعر :
ما إن ذكرتك إلّا همّ يلعننى |
|
سرّى وقلبى وروحى ، عند ذكراك |
حتّى كأنّ رقيبا منك يهتف بي : |
|
إيّاك ، ويحك ، والتّذكار ، إيّاك |
أما ترى الحقّ قد لاحت شواهده؟ |
|
وواصل الكلّ ، من معناه ، معناك؟! |
قال القشيري : ويقال : ذكر الله أكبر من أن يبقى معه ذكر مخلوق أو معلوم للعبد ، فضلا أن يبقى معه للفحشاء والمنكر سلطان. ه. وقال فى القوت على هذه الآية : الذكر عند الذاكرين : المشاهدة ، فمشاهدة المذكور فى الصلاة أكبر من الصلاة. هذا أحد الوجهين فى الآية. ثم قال : وروى فى معنى الآية ؛ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : إنما فرضت الصلاة ، وأمر بالحج والطواف ، وأشعرت المناسك ، لإقامة ذكر الله ـ عزوجل ـ» ؛ قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢) ، أي : لتذكرنى فيها. ثم قال : فإذا لم يكن فى قلبك للمذكور ، الذي هو المقصود والمبتغى ، عظمة ولا هيبة ، ولا إجلال مقام ، ولا حلاوة فهم ، فما قيمة ذكرك فإنما صلاتك كعمل من أعمال دنياك. وقد جعل الرسول صلىاللهعليهوسلم الصلاة قسما من أقسام الدنيا ، إذا كان المصلى على مقام من الهوى ، فقال : «حبب إلىّ من
__________________
(١) لا يكون ذكر اللسان بطالة. والنبي صلىاللهعليهوسلم وقال : «لا يزال لسانك رطبا بذكر الله ..» والله عزوجل يقول : «أنا مع عبدى المؤمن ما ذكرنى وتحركت بي شفتاه» فكيف يكون هذا بطالة!! مع تحقق السر بالذكر؟.
(٢) من الآية ١٤ من سورة طه.