الإشارة : الرزق مضمون بيد من أمره بين الكاف والنون ، لا يزيد بحرص قوى ، ولا ينقص بعجز ضعيف ، بل قد ينعكس الأمر ، كما قال الشاعر :
كم قوىّ قوىّ فى تقلبه |
|
[ترى عنه أمر الرّزق ينحرف] (١) |
وكم ضعيف ضعيف فى تصرفه |
|
كأنه من خليج البحر يغترف |
وقد يبسطه الله لأهل الغفلة والبعد ، ويقدره لأهل الولاية والقرب ، كما قال القائل :
الله يرزق قوما لا خلاق لهم |
|
مثل البهائم فى خلق التّصاوير |
لو كان عن قوّة أو عن مغالبة |
|
طار البزاة بأرزاق العصافير |
وقال عليه الصلاة والسلام ـ فى بعض خطبه ـ : «أيها الناس ، إن الرزق مقسوم ، لن يعدو امرؤ ما كتب له ، فاتقوا الله ، وأجملوا فى الطلب. وإن الأمر محدود ، لن يجاوز أحد ما قدر له ، فبادروا قبل نفود الأجل ، وإن الأعمال محصاة ، لن يهمل منها صغيرة ولا كبيرة ، فأكثروا من صالح الأعمال ...» الحديث. وقال صلىاللهعليهوسلم : «لو توكلتم على الله حقّ توكله ؛ لرزقتم كما ترزق الطير ؛ تغدو خماصا وتروح بطانا» (٢).
ثم حقّر الدنيا وعظّم الآخرة ، فقال :
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أي : وما هى ؛ لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها ، إلا كما يلعب الصبيان ساعة ، ثم يتفرقون متعبين بلا فائدة. وفيه ازدراء بالدنيا وتحقير لشأنها ، وكيف لا يحقرها وهى لا تزن عنده جناح بعوضة؟ واللهو : ما يتلذذ به الإنسان ، فيلهيه ساعة ، ثم ينقضى. (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) ، أي : الحياة الحقيقية ؛ لأنها دائمة. والحيوان : مصدر ، وقياسه : حييان ، فقلب الياء
__________________
(١) فى الأصول الخطية [ترى أمر الرزق عنه ينحرف].
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (١ / ٣٠ ـ ٥٢) والترمذي فى (الزهد ، باب ما جاء فى التوكل على الله ، ٤ / ٤٩٥ ، ح ٢٣٤٤) وقال : حديث حسن صحيح وابن ماجه فى (الزهد ، باب التوكل واليقين ، ٢ / ١٣٩٤ ، ح ٤١٦٤) والحاكم وصححه (٤ / ٣١٨) من حديث سيدنا عمر رضي الله عنه.