الإشارة : (الم) الألف : ألف المحبون قربى ، فلا يصبرون عنى. اللام : لمع نورى لقلوب السائرين ، فزاد شوقهم إلىّ. الميم : ملك الواصلون ملكى وملكوتى ، فلا يغيبون عنى. تنزيل الكتاب ، إذا طال أمد لقاء الأحباب ، فأعزّ شىء على المحبين كتاب الأحباب. أنزلت على أحبابى كتابى ، وحملت إليهم بالرسل خطابى ، ولا عليهم إن قرع أسماعهم عتابى ، فإنهم منى فى أمان من عذابى. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، إنكار الأعداء على المحبين سنّة لازمة. فإن ألبس الحق على الأعداء فلا يضركم ، ولا عليكم ، فإنّ [صحبة] (١) الحبيب للحبيب ألذّ ما تكون عند فقد الرقيب. قاله القشيري.
ثم ذكر المقصود بالذات ، وهو الاستدلال على البعث ، فقال :
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦))
يقول الحق جل جلاله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي) مقدار (سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي : استولى بقهرية ذاته. وسئل مالك عنه ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والسؤال عن هذا بدعة. ه. ولم تتكلم الصحابة على الاستواء ، بل أمسكوا عنه ، ولذلك قال مالك : السؤال عنه بدعة. وسيأتى شىء فى الإشارة. (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ) ؛ من دون الله (مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي : إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا ، أي : ناصرا ينصركم ، ولا شفيعا يشفع لكم ، (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ؛ تتعظون بمواعظ الله.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : أمر الدنيا. وما يكون من شؤونه تعالى فى ملكه ، فهو كقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) ، أي : يبديه لا يبتديه. وهو إشارة إلى القضاء التفصيلي ، الجزئى ، لا الكلى ، فإنه كان دفعة. يكون ذلك التدبير (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ، فيدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية ، نازلة آثارها إلى الأرض. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) من أيام الدنيا.
__________________
(١) فى الأصول : محبة ، والمثبت هو الذي فى القشيري ، وهو المناسب للسياق.
(٢) من الآية ٢٩ من سورة الرحمن.