وفى حديث أسماء ، عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ، يوم القيامة ، جاء مناد ينادى بصوت يسمعه الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع ، اليوم ، من أولى بالكرم ، ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، فيقومون ، وهم قليل. ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانوا يحمدون الله فى السراء والضراء ، فيقومون ، وهم قليل ، يسرحون جميعا إلى الجنة. ثم يحاسب سائر الناس» (١). وفى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه قال صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله ـ عزوجل ـ : أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» ، قال أبو هريرة : واقرأوا ، إن شئتم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)» (٢).
وقال فى «البدور السافرة» : أخرج الترمذي ، عن أبى سعيد الخدري ؛ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ فى الجنّة مائة درجة ، لو أنّ العالمين اجتمعوا فى إحداهنّ لو سعتهم». (٣). ه. وقال ابن وهب : أخبرنى عبد الرحمن بن زياد أنه سمع عتبة بن عبيد ، الضبي ، يذكر عمن حدّثه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن فى الجنة مائة درجة ، بين كل درجتين ما بين السماء والأرض ، أول درجة منها دورها وبيوتها وأبوابها وسررها ومغاليقها ، من فضة ، والدرجة الثانية : دورها وبيوتها وسررها ومغاليقها من ذهب ، والدرجة الثالثة : دورها وبيوتها وأبوابها وسررها ومغاليقها من ياقوت ولؤلؤ وزبرجد. وسبع وتسعون درجة ، لا يعلم ما هى إلا الله تعالى» (٤). ه.
وقيل : المراد بقرة الأعين : النظر إلى وجه الله العظيم. قلت : قرة عين كل واحد : ما كان بغيته وهمّته فى الدنيا ، فمن كانت همته القصور والحور ، أعطاه ما تقر به عينه من ذلك ، ومن كانت بغيته وهمته النظرة ، أعطاه ما تقر به عينه من ذلك ، على الدوام. قال أبو سليمان : شتان بين من همّه القصور والحور ، ومن همه الحضور ورفع الستور. جعلنا الله من خواصهم. آمين.
الإشارة : قوم تتجافى جنوبهم عن المضاجع الحسية إلى العبادة الحسية ، وهم العبّاد والزهاد من الصالحين ، فلا تعلم نفس ما أخفى لهم ؛ من نعيم القصور ، والحور ، والولدان ، وغير ذلك. وقوم تتجافى قلوبهم عن مضاجع نوم الغفلة إلى حال الانتباه واليقظة ، وعن مضاجع الرغبة إلى حال العفة والحرية ، ثم عن مضاجع الفرق ، إلى حال
__________________
(١) أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (٣ / ١٦٩ ح ٣٢٤٤).
(٢) أخرجه البخاري فى (بدء الخلق ، باب ما جاء فى صفة الجنة ح ٣٢٤٤) ، ومسلم فى (الجنة وصفة نعيمها ، ٤ / ٢١٧٤ ، ح ٢٨٢٤).
(٣) أخرجه الترمذي فى (صفة الجنة ، باب فى صفة درجات الجنة ، ٤ / ٥٨٣ ، ح ٢٥٣٢).
(٤) أخرج الطبري نحوه فى التفسير (٢١ / ١٠٥) عن أبى اليمان الهذلي ، والجزء الأول من الحديث أخرجه البخاري فى (الجهاد ، باب درجات المجاهدين فى سبيل الله ح ٢٧٩٠) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه بلفظ : «إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهد فى سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ...» الحديث.