ونزل هذا فى «زيد بن حارثة» ، وهو رجل من كلب ، سبى صغيرا ، فاشتراه حكيم بن حزام ، لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهبته له ، فطلبه أبوه وعمه ، وجاءا بفدائه ، فخيّر ، فاختار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأعتقه وتبناه. وكانوا يقولون : زيد بن محمد ، فلما تزوج النبىّ صلىاللهعليهوسلم زينب ؛ وكانت تحت زيد ـ على ما يأتى ـ قال المنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه ، فأنزل الله هذه الآية.
وقيل : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان ، قلب معكم ، وقلب مع أصحابه (١). وقيل : كان «أبو معمر» أحفظ العرب ، فقيل له : ذو القلبين (٢) ، فأكذب الله قولهم. والتنكير فى رجل ، وإدخال «من» الاستغراقية على (قلبين) ، وذكر الجوف ؛ للتأكيد. و (اللائي) : جمع «التي». وفيها أربع قراءات : «اللاء» ؛ بالهمزة مع المد والقصر ، وبالتسهيل ، وبالياء ، بدلا من الهمز. وأصل (تُظاهِرُونَ) : تتظاهرون ، فأدغم. وقرأ عاصم بالتخفيف ؛ من : ظاهر. ومعنى الظهار : أن يقول للزوجة : أنت علىّ كظهر أمي. مأخوذ من الظهر ، وتعديته بمن ؛ لتضمنه معنى التجنب ؛ لأنه كان طلاقا فى الجاهلية. وهو فى الإسلام يقتضى الحرمة حتى يكفّر ، كما يأتى فى المجادلة. والأدعياء : جمع دعى ، فقيل : بمعنى مفعول ، وهو الذي يدعى ولدا ، وجمعه على أفعلاء : شاذ ؛ لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل ؛ كتقى وأتقياء ، وشقى وأشقياء. ولا يكون فى ذلك فى نحو رميّ وسمى ، على الشذوذ. وكأنه شبهه بفعيل بمعنى فاعل ، فجمع جمعه.
(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ؛ إذ أن قولكم للزوجة : أما ، والدعىّ : هو ابن ، قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له ؛ إذ الابن يكون بالولادة ، وكذا الأم. (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) ؛ ما له حقيقة عينية ، مطابقة له ظاهرا وباطنا. (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ؛ سبيل الحق.
ثم بيّن ذلك الحقّ ، وهدى إلى سبيله ، فقال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) ؛ انسبوهم إليهم. (هُوَ) ، أي : الدعاء ، (أَقْسَطُ) ؛ أعدل (عِنْدَ اللهِ). بيّن أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين فى العدل. وقيل : كان الرجل فى الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ؛ ضمّه إليه ، وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده ، من ميراثه. وكان ينسب إليه ، فيقال : فلان بن فلان. (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) أي : فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم ، (فَإِخْوانُكُمْ فِي
__________________
(١) هذا معنى ما أخرجه الإمام أحمد (١ / ٢٦٨) والترمذى ، وحسنه ، فى (التفسير ، باب : ومن سورة الأحزاب ، ٥ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، ح ٣١٩٩) والطبرى (٢١ / ١١٨) والحاكم (٢ / ٤١٥) عن ابن عباس رضي الله عنه. وصححه الحاكم ، وفيه «قابوس بن أبى ظبيان» قال الذهبى : قابوس ، ضعيف.
(٢) ذكره الواحدى فى أسباب النزول / ٣٦٥. بدون إسناد.