الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) أي : فهم إخوانكم فى الدين ، وأولياؤكم فيه. فقولوا : هذا أخى ، وهذا مولاى ، ويا أخى ، ويا مولاى ، يريد الأخوة فى الدين والولاية فيه ، (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) أي : لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك ، مخطئين جاهلين ، قبل ورود النهى ، أو بعده ، نسيانا. (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) أي : ولكن الإثم فيما تعمّدتموه بعد النهى. أو : لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم : يا بنىّ ، على سبيل الخطأ ، أو : الشفقة ؛ ولكن إذا قلتموه متعمدين على وجه الانتساب. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ؛ لا يؤاخذكم بالخطأ ، ويقبل التوبة من المتعمّد.
الإشارة : العبد إنما له قلب واحد ، إذا أقبل به على مولاه ؛ أدبر عن ما سواه ، وملأه الله تعالى بأنواع المعارف والأسرار ، وأشرقت عليه الأنوار ، ودخل حضرة الحليم الغفار ، وإذا أقبل به على الدنيا ؛ أدبر عن الله ، وحشى بالأغيار والأكدار ، وأظلمت عليه الأسرار ، وطبع فيه صور الكائنات ، فحجب عن المكوّن ، وكان مأوى للخواطر والوساوس ، فلم يسو عند الله جناح بعوضة. قال القشيري : القلب إذا اشتغل بشىء ؛ اشتغل عما سواه ، فالمشتغل بما من العدم ؛ منفصل عمن له القدم ، والمتصل بقلبه بمن نعته القدم ؛ مشتغل عمّا من العدم ، والليل والنهار لا يجتمعان ، والغيب والغير لا يلتقيان. ه.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ ...) الآية ، يمكن أن تكون الإشارة فيها إلى أنّ من ظاهر الدنيا ، وتباعد عنها ؛ لا يحل له أن يرجع ، ويتخذها أما ؛ فى المحبة والخدمة. وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ..) : تشير إلى أنه لا يحل أن يدّعى الفقير حالا ، أو مقاما ، ما لم يتحقق به ، وليس هو له ، أو : ينسب حكمة أو علما رفيعا لنفسه ، وهو لغيره ، (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). وقوله : (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ..) : إخوان الدين أولى ، وإخوان الطريق أحب وأصفى. قال القشيري : وقرابة الدين ، فى الشكلية ، أولى من قرابة النّسب ، وأنشدوا :
وقالوا : قريب من أب وعمومة |
|
فقلت : وإخوان الصّفاء الأقارب |
مناسبهم شكلا وعلما وألفة |
|
وإن باعدتنا فى الأصول التّناسب (١) |
__________________
(١) فى القشيري : (وإن باعدتهم فى الأصول المناسب) والبيتان لأبى تمام ، يرثى غالب بن السعدي. انظر ديوانه (٤ / ٤١) ونهاية الأرب (٥ / ٢٠٢).