يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) من بنى إسرائيل (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا). وذلك أن بنى إسرائيل كانوا يغتسلون عرايا ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى عليهالسلام يستتر لشدة حيائه ، فقالوا : ما يمنع موسى من الاغتسال معنا إلا أنه آدر ـ والأدرة : انتفاخ الأنثيين ـ أو : به عيب من برص أو غيره ، فذهب يغتسل وحده ، فوضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر بثوبه ، فلجّ فى أثره يقول : ثوبى حجر ، ثوبى حجر! حتى نظروا إلى سوأته ، فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر من بعد ما نظروا إليه ، وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضربا ، ثلاثا أو أربعا (١).
وقيل : كان أذاهم : ادعاءهم عليه قتل أخيه. قال علىّ رضي الله عنه : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته. وكان أشدّ لنا حبا ، وألين منك ، فآذوه بذلك ، فأمر تعالى الملائكة فحملته ، حتى مرت به على بنى إسرائيل ، وتكلمت الملائكة بمماته ، حتى تحققت بنو إسرائيل أنه قد مات ، فبّرأ الله موسى من ذلك ، ثم دفنوه. فلم يطلع على قبره إلا الرّخم (٢) من الطير ، وإن الله جعله أصم أبكم (٣) ، وقيل : إنه على سرير فى كهف الجبل. وقيل : إن قارون استأجر امرأة مومسة ، لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ ، فعصمها الله ، وبرأ موسى ، وأهلك قارون (٤). وقد تقدم.
(وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ؛ ذا جاه ومنزلة رفيعة ، مستجاب الدعوة. وقرأ ابن مسعود والأعمش «وكان عبدا لله وجيها».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) فى ارتكاب ما يكرهه ، فضلا عما يؤذى رسوله ، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ؛ صدقا وصوابا ، أو : قاصدا إلى الحق. والسداد : القصد إلى الحق والقول بالعدل. والمراد : نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل فى القول. والحث على أن يسددوا قولهم فى كل باب ؛ لأن حفظ اللسان ، وسداد القول رأس كل خير ، ولذلك قال : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي : يوفقكم لصالح الأعمال ، أو : يقبل طاعتكم ، ويثيبكم عليها ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي : يمحها.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الأنبياء ـ باب ٢٨ ح ٣٤٠٤) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(٢) الرّخم : نوع من الطير معروف ، واحدته : «رخمة» ، وهو موصوف بالغدر ، وقيل بالقذر. انظر النهاية (٢ / ٢١٢).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٢ / ٥٢) والحاكم وصححه () ، وانظر الدر المنثور (٥ / ٤١٩).
(٤) ذكره البغوي فى التفسير (٦ / ٣٧٩) عن أبى العالية.