والمعنى : راقبوا الله فى حفظ ألسنتكم ، وتسديد قولكم ، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة ؛ من تقبل حسناتكم ، ومن مغفرة سيئاتكم. وهذه الآية مقررة للتى قبلها ، فدلت تلك على النهى عما يؤذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذه على الأمر باتقاء الله فى حفظ اللسان ، ليترادف عليها النهى والأمر ، مع اتباع النهى ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليهالسلام ، واتباع الأمر الوعد البليغ بتقوى الله الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه.
ثم وعدهم بالفوز العظيم بقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى الأوامر والنواهي (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ، يعيش فى الدنيا حميدا ، وفى الآخرة سعيدا. جعلنا الله منهم ، آمين.
الإشارة : فى الآية تسلية لمن أوذى من الأولياء بالتأسى بالأنبياء. روى أن موسى عليهالسلام قال : يا رب احبس علىّ ألسنة الناس ، فقال له : هذا شىء لم أصنعه لنفسى ، فكيف أفعله بك. وأوحى تبارك وتعالى إلى عزير : إن لم تطب نفسا بأن أجعلك علكا فى أفواه الماضغين ، لم أثبتك عندى من المتواضعين. ه.
واعلم أن تعظيم الرسول صلىاللهعليهوسلم هو سبب السعادة والفوز الكبير ، وتعظيم أولياء الله وخدمتهم هو سبب الوصول إلى الله العلى الكبير ، وتقوى الله أساس الطريق ، وحفظ اللسان وتحرى القول السديد هو سبب الوصول إلى عين التحقيق. قال الشيخ زروق رضي الله عنه فى بعض وصاياه ـ بعد كلام ـ : ولكن قد تصعب التقوى على النفس ؛ لاتساع أمرها ، فتوجّه لترك العظائم والقواعد المقدر عليها ، تعن على ما بعدها ، وأعظم ذلك معصية : الغيبة قولا وسماعا ، فإنها خفيفة على النفوس ؛ لإلفها ، مستسهلة ؛ لاعتيادها ، مع أنها صاعقة الدين ، وآفة المذنبين ، من اتقاها أفلح فى بقية أمره ، ومن وقع فيها خسر فيما وراءها. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ...) الآية ، فجعل صلاح العمل متوقفا على سداد القول ، وكذلك ورد : أن الجوارح تصبح تشتكى اللسان ، وتقول : اتق الله فينا ، فإنك إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا. فلا تهمل يا أخى لسانك ، وخصوصا فى هذه الخصلة ، فتورع فيها أكثر ما تورع فى مأكلك ومشربك ، فإذا فعلت طابت حياتك ، وكفيت الشواغب ، ظاهرا وباطنا. ه.
فإذا تحققت بالتقوى ، وحصّنت لسانك بالقول السديد ، كنت أهلا لحمل الأمانة ، كما قال تعالى :
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ