وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) ، الأمانة هنا هى التوحيد فى الباطن ، والقيام بوظائف الدين فى الظاهر ، من الأوامر والنواهي ، فالإيمان أمانة الباطن ، والشريعة بأنواعها كلها أمانة الظاهر ، فمن قام بهاتين الخصلتين كان أمينا ، وإلا كان خائنا. والمعنى : إنا عرضنا هذه الأمانة على هذه الأجرام العظام ، ولها الثواب العظيم ، إن أحسنت القيام بها ، والعقاب الأليم إن خانت ، فأبت وأشفقت واستعفت منها ، مخافة ألا تقدر عليها ، فطلبت السلامة ، ولا ثواب ولا عقاب. وهذا معنى قوله : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها). فيحتمل أن يكون الإباء بإدراك ، خلقه الله فيها ، وقيل : أحياها وأعقلها ، كقوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (١). ويحتمل أن يكون هذا العرض على أهلها من الملائكة والجن.
وقال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن الفاسى : وقد يقال : الأمانة هى ما أخذ عليهم من عهد التوحيد فى الغيب بعد الإشهاد لربوبيته ، وينظر لذلك قوله : «لن يسعنى أرضى ولا سمائى ووسعني قلب عبدى المؤمن». وأما حملها على التكاليف فلا يختص بالآدمى ؛ لأن الجن أيضا مكلف ، ومناسبة الآية لما قبلها : أن الوفاء بها من جملة التقوى المأمور بها. ه.
وقيل : لم يقع عرض حقيقة ، وإنما المقصود : تعظيم شأن الطاعة ، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء. والمعنى : أنها لعظمة شأنها لو عرضت على هذه الأجرام العظام ، وكانت ذا شعور وإدراك ، لأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ، مع ضعف بنيته ، ورخاوة قوته ، لا جرم ، فإن الراعي لها ، والقائم بحقوقها ، بخير الدارين. ه. قاله البيضاوي. والمراد بالإباية : الاستعفاء ، لا الاستكبار ، أي : أشفقن منها فعفا عنهن وأعفاهن.
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي : آدم. قيل : فما تم له يوم من تحملها حتى وقع فى أمر الشجرة ، وقيل : جنس الإنسان ، وهذا يناسب حمل الأمانة على العهد الذي أخذ على الأرواح فى عالم الغيب. (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) حيث تعرض لهذا الخطر الكبير ، ثم إن قام بها ورعاها حق رعايتها خرج من الظلم والجهل ، وكان صالحا أمينا
__________________
(١) الآية ١١ من سورة فصلت.