ويروى أن سليمان سار من أرض العراق ، فقال بمدينة مرو ، وصلى العصر بمدينة بلخ ، تحمله الريح ، وتظله الطير ، ثم سار من بلخ متخللا بلاد الترك ، ثم سار به إلى أرض الصين ، ثم عطف يمنة على مطلع الشمس ، على ساحل البحر ، حتى أتى أرض فارس ، فنزلها أياما ، وغدا منها فقال بكسكر ، ثم راح إلى اليمن ، وكان مستقره بها بمدنية تدمر ، وقد كان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق ، فبنوها له بالصفاح ، والعمد ، والرخام الأبيض والأصفر. ه.
قلت : وذكر أبو السعود فى سورة «ص» أنه غزا بلاد المغرب الأندلسى وطنجة وغيرهما ، والله تعالى أعلم. ووجدت هذه الأبيات منقورة فى صخرة بأرض كسكر ، أنشأها بعض أصحاب سليمان عليهالسلام :
ونحن ولا حول سوي حول ربّنا |
|
نروح إلى الأوطان من أرض كسكر |
إذ نحن رحنا كان ريث رواحنا |
|
مسيرة شهر والغدوّ لآخر |
أناس أعزّ الله طوعا نفوسهم |
|
بنصر ابن داود النبىّ المطهّر |
لهم فى معالى الدّين فضل ورفعة |
|
وإن نسبوا يوما فمن خير معشر |
متى يركب الريح المطيعة أسرعت |
|
مبادرة عن شهرها لم تقصّر |
تظلّهم طير صفوف عليهم |
|
متى رفرفت من فوقهم لم تنفّر (١) |
قال القشيري : وفى القصة أنه لا حظ يوما ملكه ، فمال الريح ، فقال له : استو ، فقال له مادمت أنت مستويا بقلبك كنت مستويا لك ، فحيث ملت. ه.
ثم قال : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي : معدن النحاس. والقطر : النحاس ، وهو الصفر ، ولكنه أذابه له ، وكان يسيل فى الشهر ثلاثة أيام ، كما يسيل الماء. وكان قبل سليمان لا يذوب. قال ابن عباس : كانت تسيل له باليمن عين من نحاس ، يصنع منها ما أحب. وقيل : القطر : النحاس والحديد ، وما جرى مجرى ذلك ، كان يسيل له منه عيون. وقيل : ألانه له كما ألان الحديد لأبيه ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أجرى الله تعالى لسليمان ، كما قيل.
(وَ) سخرنا له (مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) ما يشاء (بِإِذْنِ رَبِّهِ) أي : بأمر ربه ، (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) أي : ومن يعدل منهم عن أمرنا الذي أمرنا به من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) : عذاب الآخرة. وقيل : كان معه ملك بيده سوط من نار ، فمن زاغ عن طاعة سليمان ضربة بذلك ضربة أحرقته.
__________________
(١) انظر الأبيات فى : تفسير القرطبي (٦ / ٥٥٠٤ ـ ٥٥٠٥) والبحر المحيط (٧ / ٢٥٤).