(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أي : مساجد ، أو مساكن وقصور ، والمحراب : مقدم كل مسجد ومجلس وبيت. (وَتَماثِيلَ) ؛ صور الملائكة والأنبياء ، على ما اعتادوا من العبادات ، ليراها الناس ، فيعبدوا نحو عبادتهم. صنعوا له ذلك فى المساجد ، ليجتهد الناس فى العبادة. أو : صور السباع والطيور ، روى أنهم عملوا له أسدين فى أسفل كرسيه ، ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما. وكان التصوير مباحا. (وَجِفانٍ) ؛ وصحاف ، جمع : جفنة ، وهى القصعة ، (كَالْجَوابِ) ؛ جمع جابية ، وهى الحياض الكبار. قيل : كان يقعد على الجفنة ألف رجل ، يأكلون بين يديه ، (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ؛ ثابتات على الأثافى ، لا تنزل ؛ لعظمها ، ولا تعطل ؛ لدوام طبخها. وقيل : كان قوائمها من الجبال ، يصعد إليها بالسلالم ، وقيل : باقية باليمن.
وقلنا : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي : اعملوا بطاعة الله ، واجهدوا أنفسكم فى عبادته ، شكرا لما أولاكم من نعمه. قال ثابت : كان داود جزأ ساعات الليل والنهار على أهله ، فلم تكن تأتى ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلّى. ه (١).
وقال سعيد بن المسيب : لما فرغ سليمان من بيت المقدس انغلقت أبوابه ، فعالجها ، فلم تنفتح ، حتى قال : بصلوات آل داود إلا فتحت الأبواب ، ففتحت ، ففرغ له سليمان عشرة آلاف من قراء بنى إسرائيل ؛ خمسة آلاف بالليل ، وخمسة آلاف بالنهار ، فلا تأتى ساعة من ليل ولا نهار إلا والله عزوجل يعبد فيها. ه. وعن الفضيل : (اعملوا آل داود) أي : ارحموا أهل البلاء ، وسلوا ربكم العافية.
و (شكرا) : مفعول له ، أو حال ، أي : شاكرين ، أو مصدر ، أي : اشكروا شكرا ؛ لأن «اعملوا» فيه معنى اشكروا ، من حيث إن العمل للنعم شكر ، أو : مفعول به ، أي : إنّا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم ، فاعملوا أنتم شكرا.
(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، يحتمل أن يكون من تمام الخطاب لداود عليهالسلام ، أو خطاب لنبينا صلىاللهعليهوسلم. والشكور :
القائم بحق الشكر ، الباذل وسعه فيه ، قد شغل به بقلبه ولسانه وجوارحه فى أكثر أوقاته ، اعتقادا واعترافا وكدحا. وعن ابن عباس : هو من يشكر على أحواله كلها. وقيل : من شكر على الشكر ، ومن يرى عجزه عن الشكر. قال البيضاوي : لأن توفيقه للشكر نعمة ، فتقتضى شكرا آخر ، لا إلى نهاية ، ولذلك قيل : الشكور من يرى عجزه عن الشكر. ه.
الإشارة : وسخرنا لسليمان ريح الهداية ، تهب بين يديه ، يهتدى به مسيرة شهر وأكثر ، وأسلنا لوعظه وتذكيره العيون الجامدة ، فقطرت بالدموع خشوعا وخضوعا. وكل من أقبل على الله بكليته سخرت له الكائنات ، جنها وإنسها ، يتصرف بهمته فيها. فحينئذ يقال له ما قيل لآل داود : اعملوا آل داود شكرا. قال الجنيد : الشكر : بذل المجهود بين يدى المعبود. وقال أيضا : الشكر ألا يعصى الله بنعمه.
__________________
(١) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٤٣٠) لابن أبى شيبة ، وأحمد ، فى الزهد ، وابن أبى حاتم ، والبيهقي فى الشعب ، عن ثابت البناني.