المقدس شجرة ، فيسألها : ما اسمك؟ فتقول الشجرة : اسمى كذا ، فيأمر بها فنقطع ، فإن كانت لغرس غرسها ، وإن كانت لدواء كتبت. فبينما هو يصلى ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك؟ قالت : الخروبة ، قال لها : ولأى شىء نبتّ؟ قالت : لخراب هذا المسجد ، فقال : ما كان الله ليخربه وأنا حىّ ، أنت التي على وجهك هلاكى ، وهلاك بيت المقدس ، فنزعها وغرسها فى حائط ، ثم قال : اللهم أعم عن الجن موتى ، حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون أشياء من علم الغيب ، ثم دخل المحراب ، وقام يصلى على عصاه ، فمات (١).
وقيل : إن سليمان قال لأصحابه ذات يوم : قد آتاني الله ما ترون ، وما مرّ علىّ يوم فى ملكى بحيث صفا لى من الكدر ، وقد أحببت أن يكون لى يوم واحد يصفو لى من الكدر ، فدخل قصره من الغد ، وأمر بغلق أبوابه ، ومنع الناس من الدخول عليه ، ورفع الأخبار إليه. ثم اتكأ على عصاه ينظر فى ممالكه ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه ، عليه ثياب بيض ، قد خرج عليه من جوانب قصره ، فقال : السلام عليك يا سليمان ، فقال : عليك السلام ، كيف دخلت قصرى؟ فقال : أنا الذي لا يحجبنى حاجب ، ولا يدفعنى بواب ، ولا أهاب الملوك ، ولا أقبل الرشا ، وما كنت لأدخل هذا القصر من غير إذن. فقال سليمان : فمن أذن لك فى دخوله؟ قال : ربه ، فارتعد سليمان ، وعلم أنه ملك الموت ، فقال : يا ملك الموت هذا اليوم الذي أردت أن يصفو لى ، قال : يا سليمان ذلك اليوم لم يخلق فى أيام الدنيا ، فقبض روحه وهو متكىء على عصاه. ه.
وفى رواية : أنه دعا الشياطين ، فبنوا له صرحا من قوارير ، ليس له باب ، فقام يصلى ، واتكأ على عصاه ، فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه (٢). والله تعالى أعلم أىّ ذلك كان. وبقي سليمان ميتا ، وهو قائم على عصاه سنة ، حتى أكلت الأرضة عصاه. ولم يعلموا منذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة. سبحان الحي الذي لا يموت ، ولا ينقضى ملكه.
الإشارة : كل دولة فى الدنيا تحول ، وكل عز فيها عن قريب يزول ، فالعاقل من صرف دولته فى طاعته مولاه ، وبذل جهده فى محبته ورضاه ، فإن كانت قسمته فى الأغنياء كان من الشاكرين ، وإن كانت فى الفقراء كان من الصابرين ، والفقير الصابر أحظى من الغنى الشاكر ، ولذلك ورد أن سليمان عليهالسلام آخر من يدخل الجنة من
__________________
(١) انظر : تفسير الطبري (٢٢ / ٧٥) وتفسير ابن كثير (٣ / ٥٢٩).
(٢) أخرجه الطبري (٢٢ / ٧٥ ـ ٧٦) عن ابن زيد.