الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، وعبد الرحمن بن عوف آخر من يدخلها من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين. والغنى الشاكر هو الذي يعطى ولا يبالى ، ويتواضع للكبير والصغير ، والوجيه والحقير ، والفقير الصابر هو الذي يغتبط بفقره ، ويكتمه عن غيره. وبالله التوفيق.
ثم ذكر حال من لم يشكر النعم ، فقال :
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧))
قلت : (لسبأ) فيه الصرف ، بتأويل الحي ، وعدمه ، بتأويل القبيلة. و (مسكنهم) ، من قرأ بالإفراد وفتح الكاف على القياس فى الاسم والمصدر ، كمدخل ، ومن كسره فلغة ، والسماع فى المصدر كمسجد. و (جنتان) : بدل من (آية) أو : خبر عن مضمر ، أي : هى جنتان. و (أكل خمط) (١) ، فمن أضافه فإضافة الشيء إلى جنسه ، كثوب خز ، ومن نوّنه قطعه عن الإضافة ، وجعله عطف بيان. أو صفة ، بتأويل خمط ببشيع.
يقول الحق جل جلاله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) ، سئل صلىاللهعليهوسلم أرجلا كان أو امرأة ، أو أرضا أو جبلا أو واديا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «هو رجل من العرب ، ولد عشرة من الولد ، فتيامن ستة ، وتشاءم أربعة : فالذين تيامنوا كثرة ، فكندة ، والأشعريون ، والأزد ، ومذجح ، وأنمار ، وحمير ، فقال رجل : من أنمار يا رسول الله؟ قال : منهم خثعم وبجيلة. والذي تشاءموا : عاملة ، وجذام ، ولخم ، وغسان» (٢).
قلت : وسبأ هو ابن يشخب بن يعرب بن قحطان. واختلف فى قحطان ، فقيل : هو ابن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح. وقيل : هو أخو هود عليهالسلام. وقيل : هو هود ، بنفسه ، وإن هودا هو ابن عبد الله بن رباح ، لا ابن عابر ، على الأصح. فهو على هذا القول ابن أرم بن سام. وقيل : قحطان من ولد إسماعيل ، فهو ابن أيمن بن
__________________
(١) قرأ نافع ، وابن كثير : «أكل» بسكون الكاف ، وبالتنوين ، وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر : بضم الكاف مع التنوين. وقرأ أبو عمرو : ويعقوب بضم الكاف من غير تنوين. انظر الإتحاف (٢ / ٣٨٥).
(٢) أخرجه أبو داود فى (الحروف والقراءات ٤ / ٢٨٨ ح ٣٩٨٨) مختصرا ، والترمذي فى (التفسير ، باب ومن سورة سبأ ٥ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، ح ٣٢٢٢) ، وقال : «حديث حسن غريب» والحاكم (٢ / ٢٢٤) عن فروة بن مسيك المرادي.