قيذر بن إسماعيل. وقيل : هو ابن الهميسع ابن أيمن. وبأيمن سميت اليمن ، وقيل : لأنها عن يمين الكعبة. هذا والعرب كلها يجمعها أصلان : عدنان وقحطان ، فلا عربى فى الأرض إلا وهو ينتهى إلى أحدهما ، فيقال : عدنانى أو قحطانى.
ومن جعل العرب كلها من ولد إسماعيل مرّ على أن قحطان من ذرية إسماعيل ، كما تقدم ، واختلف فى خزاعة ، فقيل : قحطانية ، وقيل : عدنانية ، وأن جدهم عمرو بن لحى ، وأما الأوس والخزرج فهما من ذرية سبأ ، نزلت يثرب ، بعد سيل العرم ، كما يأتى.
قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) (١) أي : فى بلدهم ، أو أرضهم ، التي كانوا مقيمين فيها باليمن ، (آيَةٌ) دالة على وحدانيته تعالى ، وباهر قدرته ، وإحسانه ، ووجوب شكر نعمه ، وهى : (جَنَّتانِ) أي : جماعة من البساتين ، (عَنْ يَمِينٍ) واديهم ، (وَشِمالٍ) ؛ وعن شماله. وكل واحدة من الجماعتين فى تقاربها وتصافها كأنها جنة واحدة ، كما يكون بساتين البلاد العامرة. قيل : كان الناس يتعاطون ذلك على جنبتى الوادي ، مسيرة أربعين يوما ، وكلها تسقى من ذلك الوادي ؛ لارتفاع سده. أو : أراد بستانين ، لكل رجل بستان عن يمين داره ، وبستان عن شماله. ومعنى كونهما آية : أن أهلها لمّا أعرضوا عن شكر النعم سلبهم الله النعمة ، ليعتبروا ويتعظوا ، فلا يعودوا لما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم ، فلما أثمرت البساتين ؛ قلنا لهم ـ على لسان الرسل المبعوثين إليهم ، أو بلسان الحال ، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) بالإيمان والعمل الصالح ، (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) أي : هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة ، (وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي : وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم ربّ غفور لمن شكره.
قال ابن عباس : كانت سبأ على ثلاثة فراسخ من صنعاء ، وكانت أخصب البلاد ، فتخرج المرأة على رأسها المكتل ، وتسير بين تلك الشجر ، فيمتلئ المكتل مما يتساقط فيه من الشجر (٢) ولقد كان الرجل يخرج لزيارة أقاربه ، وعلى رأسه مكتل ، أو قفة ، أو طبق فارغ ، فلا يصل إلى حيث يريد إلا والطبق قد امتلأ فاكهة ، مما تسقطه الرياح ، دون أن يمد يده إلى شىء من ثمرها. ومن طيبها : أنها لم تر فى بلدهم بعوضة قط ، ولا ذباب ، ولا برغوث ، ولا عقرب ، ولا حية. وإذا جاءهم الركب فى ثيابهم القمل والدواب ؛ ماتت الدواب والقمل ؛ لطيب هواها.
__________________
(١) قرأ حمزة ، وحفص : (مسكنهم) بسكون السين وفتح الكاف ، بلا ألف على الإفراد. وقرأ الكسائي بالتوحيد وكسر الكاف. وقرأ الباقون «مساكنهم» بفتح السين وألف وكسر الكاف على الجمع. وقد سار الشيخ المفسر على قراءة الجمع. انظر الإتحاف (٢ / ٣٨٤).
(٢) أخرجه الطبري (٢٢ / ٧٧) عن قتادة.