أبو عمرو (١) والأخوان بالبناء للمفعول ، أي : إلا من وقع الإذن للشفيع لأجله. ثم ردّ على من زعم من الكفار أن الملائكة تشفع ، قطعا ؛ لمكانها من الله ، فقال : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) ، فحتى : غاية لمحذوف ، أي : وكيف تشفع قبل الإذن ، وهى فى غاية الخوف والهيبة من الله ، إذا سمعوا الوحى صعقوا ، (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي : كشف الفزع عن قلوبهم (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) من الوحى؟ (قالُوا الْحَقَ) ، فمن كان هذا وصفه لا يجترىء على الشفاعة إلا بإذن خاص. قال الكواشي : إنه يفزع عن قلوبهم حين سمعوا كلام الله لجبريل بالوحى ، قال صلىاللهعليهوسلم : (إذا أراد الله تعالى أن يوحى بالأمر لأهل السماء أخذت السموات منه رجفة ـ أو قال : رعدة شديدة ـ خوفا من ذلك ، فإذا سمع أهل السموات صعقوا ، وخروّا سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه من وحيه بما أراد ، ثم يمرّ على سماء سماء ، إلى أن ينزل بالوحى ، فإذا مرّ على الملائكة سألوه ، ثم قالوا : ماذا قال ربكم؟ فيقول جبريل : قال الحقّ (٢). نصب المفعول بقالوا ، وجمع الضمير تعظيما لله تعالى.
ثم قال : وفى الحديث : «إذا تكلم الله بالوحى سمع أهل السماء صلصلة ، كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، حتى يأتيهم جبريل ، فيفزغ عن قلوبهم ، ـ أي : يكشف ـ وبخبرهم الخبر ، ثم قال (٣) : وقيل المعنى : أنه لا يشفع أحد إلا بعد الإذن ، ولا يشعر به إلا المقربون ؛ لما غشى عليهم من هول ذلك اليوم ، فإذا ذهب الفزع عن قلوبهم ، قالوا : ماذا قال ربكم فى الشفاعة؟ قالوا الحق ، أي : أذن فيها. ه. ومثل هذا لابن عطية ، وتبعه ابن جزى ، قال : الضمير فى «قلوبهم» ، وفى «قالوا» للملائكة. فإن قيل : كيف ذلك ، ولم يتقدم لهم ذكر؟ فالجواب : أنه قد وقعت إليهم إشارة بقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ؛ لأن بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فذكر الشفاعة يقتضى ذكر الشافعين ، فعاد الضمير على الشفعاء ، الذين دلّ عليهم ذكر الشفاعة. ه.
وقرأ يعقوب وابن عامر «فزع» بفتح الفاء بالبناء للفاعل. والتضعيف للسلب والإزالة ، أي : سلب الفزع وأزاله عن قلوبهم ، مثل : قردت البعير : إذا أزلت قراده ، ومن بناه للمفعول فالجار نائب. (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي : المتعالي عن سمة الحدوث ، وإدراك العقول ، الكبير الشأن ، فلا يقدر أحد على شفاعة بلا إذنه.
__________________
(١) فى الأصول [ابن عمرو].
(٢) أخرجه الطبري (٢٢ / ٩١) والبغوي فى التفسير (٦ / ٣٩٨) والبيهقي فى الأسماء والصفات (١ / ٣٢٦) وابن أبى عاصم فى السنّة (١ / ٢٢٧) من حديث النواس بن سمعان.
(٣) أي : الكواشي.