قال الكواشي : وهذا من المعاريض ، وقد ثبت أن من اتبع محمدا على الهدى ، ومن لم يتبعه على الضلال. ه ويحتمل أن يكون من اللف والنشر المرتب. وفيه ضعف. وخولف بين حرفى الجار ، الداخلين على الهدى والضلال ؛ لأن صاحب الهدى كأنه مستعل على فرس جواد ، يركضه حيث شاء ، والضال كأنه منغمس فى ظلام ، لا يدرى أين يتوجّه.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي : ليس القصد بدعائى إياكم خوفا من ضرر كفركم ، وإنما القصد بما أدعوكم إليه الخير لكم ، فلا يسأل أحد عن عمل الآخر ، وإنما يسأل كل واحد عن عمله. وهذا أيضا أدخل فى الإنصاف ، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم ، وهو محظور ، والعمل إلى المخاطبين ، وهو مأمور به مشكور. (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة ، (ثُمَّ يَفْتَحُ) أي : يحكم (بَيْنَنا بِالْحَقِ) بلا جور ولا ميل ، فيدخل المحقّين الجنة ، والمبطلين النار ، (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) ؛ الحاكم (الْعَلِيمُ) بما ينبغى أن يحكم به.
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ) أي : ألحقتموهم (بِهِ شُرَكاءَ) فى العبادة معه ، بأى صفة ألحقتموهم به شركاء فى استحقاق العبادة ، وهم أعجز شىء. قال القشيري : كانوا يقولون فى تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ؛ لانهماكهم فى ضلالهم ، مع تحققهم بأنها جمادات لا تفقه ولا تعقل ، ولا تسمع ولا تبصر ، ولا شبهة لهم غير تقليد أسلافهم. ه. ومعنى قوله : (أرونى) مع كونه يراهم : أن يريهم الخطأ العظيم فى إلحاق الشركاء بالله ، وأن يطلعهم على [حالة] (١) الإشراك به ، ولذلك زجرهم بقوله : (كَلَّا) أي : ارتدعوا عن هذه المقالة الشنعاء ، وتنبهوا عن ضلالكم. (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) أي : الغالب القاهر ، فلا يشاركه أحد ، و «هو» : ضمير الشأن ، (الْحَكِيمُ) فى تدبيره وصنعه. والمعنى : بل الوحدانية لله وحده ؛ لأن الكلام إنما وقع فى الشركة ، ولا نزاع فى إثبات الله ووجوده ، وإنما النزاع فى وحدانية. أي : بل هو الله وحده العزيز الحكيم.
الإشارة : أرزاق الأرواح والأشباح بيد الله ، فأهل القلوب من أهل التجريد اشتغلوا بطلب أرزاق الأرواح ، وغابوا عن طلب أرزاق الأشباح ، مع كونهم مفتقرين إليه ، أي : غابوا عن أسبابه. وأهل الظاهر اشتغلوا بطلب أرزاق الأشباح ، وغابوا عن التوجه إلى أرزاق الأرواح ، مع كونهم أحوج الناس إليه. وكل فريق يرجح ما هو فيه ، فأهل الأسباب يعترضون على أهل التجريد ، ويرجحون تعاطى الأسباب ، وأهل التجريد يرجحون مقام التجريد ، فيقولون لهم : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين. قل : لا تسألون عما أجرمنا ، بزعمكم ، من ترك الأسباب ، ولا نسأل
__________________
(١) فى الأصول [إحالة] والمثبت هو الذي فى تفسير النسفي.