عما تعملون. وسيجمع الله بيننا ، ويحكم بما هو الحق ، فإن كنتم تعتمدون على الأسباب ، وتركنون إليها ، فهو شرك ، أرونى الذين ألحقتم به شركاء ، كلا ، بل هو الله العزيز الحكيم ، يعز أولياءه ، المتوجهين إليه ، الحكيم فى إسقاط من أعرض عنه إلى غيره.
قال القشيري : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) ، أخبر سبحانه أنه يجمع بين عباده ، ثم يعاملهم فى حال اجتماعهم ، بغير ما يعاملهم فى حال افتراقهم ، وللاجتماع أثر كبير فى الشريعة ، وللصلاة فى الجماعة أثر مخصوص. ثم قال : وللشيوخ فى الاجتماع زوائد ، ويستروحون إلى هذه الآية : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ ..). ه.
ولمّا ذكر ما منّ به على داود وسليمان ، وذكر وبال من لم يشكر النعم ، ذكر ما منّ به على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم من عموم الرسالة والدعوة ، فقال :
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))
قلت : «كافة» : حال من «الناس» ، على قول الفارسي وابن جنى وابن كيسان ، واختاره ابن مالك. وقال الأكثر : إنه حال من الكاف ، والتاء للمبالغة ، وما قاله ابن مالك أحسن. انظر الأزهرى.
يقول الحق جل جلاله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي : جميعا ، إنسهم وجنّهم ، عربيهم وعجميهم ، أحمرهم وأسودهم. وقدّم الحال للاهنمام. قال صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلى ؛ بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لى الغنائم ، ولم تحّل لأحد قبلى ، ونصرت بالرّعب مسيرة شهر ، وأعطت الشفاعة ، فادخرتها لأمتى يوم القيامة ، وهى إن شاء الله نائلة من لا يشرك بالله شيئا» (١).
أو : وما أرسلناك إلا رسالة عامة لهم ، محيطة بهم ؛ لأنها إذا عمتهم فقد [كفتهم] (٢) أن يخرج منها أحد. وقال الزجاج : معنى الكافة فى اللغة : الإحاطة ، والمعنى : أرسلناك جامعا للناس فى الإنذار والإبلاغ ، على أنه حال
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (التيمم ، باب ١ ح ٣٣٥) ومسلم فى (فاتحة كتاب المساجد ومواضع الصلاة ١ / ٣٧٠ ، ح ٥٢١) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢) فى الأصول [كفهم] والمثبت من تفسير أبى السعود.