من الكاف ، والتاء للمبالغة ، كالراوية والعلّامة. حال كونك (بَشِيراً) بالفضل العظيم لمن أقر ، (وَنَذِيراً) بالعذاب لمن أصرّ ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي : الكفرة ، (لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
(وَيَقُولُونَ) من فرط جلهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي : القيامة ، المشار إليها بقوله : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) (١) ، أو : الوعد بالعذاب الذي أنذرت به. وأطلق الوعد على الموعود به ؛ لأنه من متعلقاته ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى إتيانه؟ (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) ، «الميعاد» : ظرف الوعد ، من مكان ، أو زمان. وهو ـ هنا ـ الزمان ، بدليل من قرأ «ميعاد يوم» ، فأبدل منه «اليوم». وأما الإضافة فإضافة تبيين ، كما تقول : بعير سائبة ، أي : قد وقت لعذابكم يوما (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) أي : لا يمكنكم التأخر عنه بالإمهال ، ولا التقدم عليه بالاستعجال. ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم : أنهم سألوا عن ذلك ، وهم منكرون به ، تعنتا لا استرشادا ، فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقا للسؤال ، على وجه الإنكار والتعنت ، وأنهم مرصدون له ، يفاجئهم ، فلا يستطيعون تأخرا ، ولا تقدما عليه.
الإشارة : الداعون إلى الله على فرقتين : فرقة تدعو إلى معرفة أحكام الله ، وهم العلماء ، وفرقة تدعو إلى معرفة ذات الله بالعيان ، وهم الأولياء العارفون بالله ، فالأولون دعوتهم خاصة بمن فى مذهبهم ، والآخرون دعوتهم عامة ؛ إذ معرفة الله تعالى الذوقية لم يقع فيها اختلاف مذاهب ، فأهل المشرق والمغرب كلهم متفقون عليها ، فشيخ واحد يربى جميع أهل المذاهب ، إن خضعوا له ، وفى ذلك يقول صاحب المباحث :
مذاهب الناس على اختلاف |
|
ومذهب القوم على ائتلاف |
وقال الشاعر :
عبارتنا شتى وحسنك واحد |
|
وكلّ إلى ذاك الجمال يشير |
ويقول من استبعد الفتح : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ قل : لكم ميعاد يوم عيّنه للفتح ، لا يتقدم ولا يتأخر. فالأدب : الخدمة وعدم الاستعجال.
__________________
(١) الآية ٢٦ من السورة.