(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا لغيره ؛ لأنه الخالق لهما ، ولما فيهما من الذوات ، وهو المتصرف فيهما إيجادا واعداما ، (وإلى الله المصير) أي : إليه ، خاصّة ، رجوع الكل بالفناء والبعث لا إلى غيره ، وإظهار اسم الجلالة فى وضع الإضمار ، لتربية المهابة ، والإشعار بعلّيّة الحكم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما استقر فى السموات السبع والأرضين السبع كله من قبضة النّور الأوّليّة ، بين حس ومعنى ، حسه خاضع لأحكام الربوبية ، ومعناه قاهر بسطوات الألوهية ، حسه حكمة ، ومعناه قدرة ، حسه ملك ، ومعناه ملكوت ، وهذا معنى قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فافهم.
ثم ذكر جزئيات من تلك النور ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤))
يقول الحق جل جلاله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي) أي : يسوق ، برفق وسهولة ، (سَحاباً) : جمع سحابة ، (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي : يضم بعضه إلى بعض ، (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) ؛ متراكما بعضه فوق بعض ، (فَتَرَى الْوَدْقَ) : المطر ، (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ؛ من فتوقه ووسطه ، جمع خلل ، كجبال وجبل ، وقيل : مفرد ، كحجاب وحجاز.
قال القشيري : ترتفع بقدرته بخارات البحر ، فيتصعد ، بتسييره وتقديره ، إلى الهواء ، وهو السحاب ، ثم يديره إلى سمت يريد أن ينزل به المطر ، ثم ينزل ما فى السحاب من ماء البحر ، قطرة قطرة ، ويكون الماء ، حين حصوله فى بخارات البحر ، غير عذب ، فيقلبه عذبا ، ويسحّه السحاب سكبا ، فيوصل إلى كلّ موضع قدرا يكون له مرادا معلوما ، لا بالجهد من المخلوقين يمسك عن المواضع الذي عليه ينزله ، ولا بالحيلة يستنزل على المكان الذي لا يمطره. ه. قلت : وهذا أحد الأقوال فى حقيقة المطر ، والمشهور عند أهل السنة : أن الله تعالى ينشىء السحاب بقدرته ، ويخلق فيه الماء بحكمته ، وينزله حيث شاء.