فى الهوى ، وأولاده فى جمع الدنيا. قال القشيري : لا تستحقّ الزّلفى عند الله بالمال ، ولا بالأولاد ، ولكن بالأعمال الصالحة الخالصة ، والأحوال الصافية ، والأنفس الزاكية ، بل بالعناية السابقة ، والهداية اللاحقة ، والرعاية الصادقة. ه. وقال فى قوله : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) : هم الذين لا يحترمون الأولياء ، ولا يراعون حقّ الله فى السّر ، فهم فى عذاب الاعتراض على أولياء الله ، وعذاب الوقوع بشؤم ذلك فى ارتكاب محارم الله ، ثم فى عذاب السقوط من عين الله تعالى. ه.
ثم حضّ على الصدقة ، فقال :
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) ، إنما كرره تزهيدا فى المال ، وحضا على إنفاقه فى سبيل الله. ولذلك عقبه بقوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ، إما عاجلا فى الدنيا إذا شاء ، أو آجلا فى الآخرة ، ما لم يكن إسرافا ، كنزهة لهو ، أو فى بنيان ، أو معصية. وذكر الكواشي هنا أحاديث منها : «كلّ معروف صدقة ، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله صدقه ، وما وقى به الرجل عرضه كتبت له بها صدقة ـ وهو ما أعطى لشاعر ، أو لذى اللسان المتّقى ـ وما أنفق المؤمن صدقة فعلى الله خلفها ضامنا ، إلا ما كان من نفقة فى بنيان أو معصية» (١). قلت : يقيد النفقة فى البنيان بما زاد على الحاجة والضرورة ، وإلا فهو مأمور به ، فيؤجر عليه. والله تعالى أعلم.
(وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ؛ المطعمين ؛ لأن كل من رزق غيره من سلطان ، أو سيّد ، أو زوج ، أو غيره ، فهو من رزق الله ، أجراه على يد هؤلاء ، وهو خالق الرزق ، والأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق. وعن بعضهم ؛ قال : الحمد لله الذي أوجده ، وجعلنى ممن يشتهى ، فكم من مشته لا يجد ، وواجد لا يشتهى!.
الإشارة : فى الآية إشارة إلى منقبة السخاء ، وإطلاق اليد بالعطاء ، وهو من علامة اليقين ، وخروج الدنيا من القلب. وذكر الترمذي الحكيم حديثا طويلا عن الزبير رضي الله عنه رأيت أن أذكره لكثرة فوائد مع مناسبة لهذا المعنى. قال : جئت حتى جلست بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ بطرف عمامتى من ورائي ، ثم قال : «يا زبير إنى رسول الله إليك خاصة ، وإلى الناس عامة. أتدرون ما قال ربكم؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال. قال ربكم حين استوى على
__________________
(١) رواه الدار قطنى فى سننه (٣ / ٢٨) والحاكم فى المستدرك (٢ / ٥٠) من حديث جابر رضي الله عنه. وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي.