عرشه ونظر إلى خلقه : عبادى أنتم خلقى وأنا ربكم ، أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم به ، فاطلبوا منى أرزاقكم ، وإلىّ فارفعوا حوائجكم ، انصبوا إلىّ أنفسكم أصبّ عليكم أرزاقكم. أتدرون ما قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم ؛ أنفق أنفق عليك ، وأوسع أوسع عليك ، ولا تضيق فأضيق عليك ، ولا تصرّ فأصرّ عليك ، ولا تخزن فأخزن عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سموات ، متواصل إلى العرش ، لا يغلق ليلا ولا نهارا ، ينزل الله منه الرزق ، على كل امرئ بقدر نيته ، وعطيته ، وصدقته ، ونفقته ، من أكثر أكثر عليه ، ومن أقل أقل عليه ، ومن أمسك أمسك عليه. يا زبير فكل وأطعم ، ولا توك فيوك عليك (١) ، ولا تحص فيحص عليك ، ولا تقتّر فيقتر عليك ، ولا تعسر فيعسر عليك. يا زبير ، إن الله يحب الإنفاق ، ويبعض الإقتار ، وإن السخاء من اليقين ، والبخل من الشك ، فلا يدخل النار من أيقن ، ولا يدخل الجنة من شك. يا زبير ؛ إن الله يحب السخاوة ، ولو بفلق تمرة ، والشجاعة ، ولو بقتل عقرب أو حية. يا زبير ؛ إن الله يحب الصبر عند زلزلة الزلازل ، واليقين النافذ عند مجىء الشهوات ، والعقل الكامل عند نزول الشبهات. والورع الصادق عند الحرام والخبيثات. يا زبير ؛ عظّم الإخوان ، وأجلّ الأبرار ، ووقر الأخيار ، وصل الجار ، ولا تماش الفجار ، تدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب ، هذه وصية الله إلىّ ، ووصيتي إليك».
ثم ذكر توبيخه على الشرك ، فقال :
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَ) اذكر (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) (٢) (جَمِيعاً) ، العابدين والمعبودين ، (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ)؟ هو خطاب للملائكة ، وتقريع للكفرة ، وارد على المثل السائر من قول العامة : الخطاب للسارية وافهمى يا جارية. ونحوه قوله : .. (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي ..) الآية (٣). وتخصيص
__________________
(١) أي : لا تدخر وتشد ما عندك ، وتمنع ما فى يديك ، فتنقطع مادة الرزق عنك. والوكاء : الخيط الذي تشد به الصرّة والكيس وغيرهما. انظر النهاية فى غريب الحديث (وكاء ، ٥ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣).
(٢) قرأ حفص ، ويعقوب : «يحشرهم» بالياء ، وقرأ الباقون «نحشرهم» و «نقول» بالنون. وقد أثبت المفسر قراءة النون. انظر إتحاف فضلاء البشر (٢ / ٣٨٨).
(٣) من الآية ١١٦ من سورة المائدة.