بالهلاك والتدمير. فالنكير : مصدر ، كالإنكار معنى ، وكالنذير وزنا. و (كيف) للتعظيم ، لا لمجرد الاستفهام ، أي : فحين كذبوا رسلى جاءهم إنكارى بالتدمير والاستئصال ، ولم تغن عنهم تلك الأموال والأولاد ، وما كانوا مستظهرين به من الرئاسة والجاه ، فليحذر هؤلاء أن يحل بهم مثل [ما حل] (١) بأولئك ؛ لمشاركتهم لهم فى الكفر والعدوان.
الإشارة : تكذيب الصادقين سنّة ماضية ، وكل من ظهر بخصوصية يجذب الناس إلى الله ، ويخرجهم من عوائدهم ، قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين ، فحين كذّبوا أولياء زمانهم حرموا بركتهم ، فبقوا فى عذاب الحرص والتعب ، والهلع والنصب. قال القشيري : إن الحكماء والأولياء ـ الذين هم الأئمة فى هذه الطريقة ـ إذا دلوا الناس على الله ، قال إخوانهم من إخوان السوء ـ وربما كان من الأقارب وأبناء الدنيا : من ذا الذي يطيق هذا؟ ولا بد من الدنيا مادمت تعيش! .. وأمثال هذا كثير ، حتى يميل ذلك المسكين من قبل النصح ، فيهلك ويضل. ه. باختصار. وقال فى قوله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها ..) ما حاصله : إن أرباب القلوب إذا تكلموا بالحقائق ، على سبيل الإلهام والفيض ، لا يطلب منهم البرهان على ما نطقوا به ، فإذا طالبهم أهل القبلة بذلك ، فسبيلهم السكوت عنهم ، حتى يجيب عنهم الحق تعالى. ه. وبالله التوفيق.
ثم أمر بالتفكر والاعتبار ، فقال :
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦))
قلت : «أن تقوموا» : بدل من «واحدة» ، أو خبر عن مضمر.
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ؛ بخصلة واحدة ، وهى : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) أي : لوجه الله خالصا ، لا لحمية ، ولا عصبية ، بل لطلب الحق والاسترشاد. فالقيام على هذا معنوى ، وهو القصد والتوجه بالقلب ، وقيل : حسى ، وهو قيامهم وتفرقهم عن مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيقوم كل واحد منفردا بنفسه ، يتفكر ، أو مع صاحبه. وهذا معنى قوله : (مَثْنى وَفُرادى) أي : اثنين اثنين ، أو فردا فردا. والمعنى : أعظكم بواحدة أن تعملوا ما أصبتم الحق ، وتخلصتم من الجهل. وهى أن تقوموا وتنهضوا الله ، معرضين عن المراء
__________________
(١) فى النسخة الأم [ما حق].