قال القشيري : إذا تابوا ـ وقد أغلقت الأبواب ، وندموا ـ وقد تقطعت بهم الأسباب ، فليس إلا الحسرات مع الندم ، ولات حين ندامة! كذلك من استهان بتفاصيل فترته ، ولم يستفق من غفلته فتجاوز حده ، ويعفى عنه كرّه. فإذا استمكن فى القسوة ، وتجاوز فى سوء الأدب حدّ القلة ، وزاد على مقدار الكثرة ، فيحصل لهم من الحق ردّ ، ويستقبلهم حجاب البعد. فعند ذلك لا يسمع لهم دعاء ، ولا يرحم لهم بكاء ، كما قيل ، وأنشد :
فخلّ سبيل العين بعدك للبكا |
|
فليس لأيام الصفاء رجوع. ه |
وقوم شمروا عن سابق الجد والتشمير ، ولم يقنعوا من مولاهم بقليل ولا كثير ، قد انتهزوا فرصة الأعمار ، ولم يشغلهم عن الله ربع ولاديار ، عمّروا أوقاتهم بالذكر والتذكار ، وفكرة الاعتبار والاستبصار ، حتى وردوا دار القرار ، أولئك المصطفون الأخيار ، يدفع الله تعالى بهم عن أهل الدنيا الأنكاد والأغيار ، ويكشف عن قلوبهم الحجب والأستار. وقوم حققوا مقام الإيمان ، واشتغلوا بتربيته ، بصحبة أهل الإيقان ، حتى أفضوا إلى مقام العيان ، فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. جعلنا الله من خواصهم بمنّه وكرمه ، وبمحمد نبيه وحبه صلىاللهعليهوسلم وعلى آله وصحبه.