ومن جملة عداوته ؛ تزيين القبائح ، كما قال تعالى :
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨))
قلت : «أفمن» : مبتدأ حذف خبره ، أي : كمن هداه الله ، أو ذهبت نفسك عليه حسرات. و «حسرات» : مفعول له. وجمعها لتضاعف اغتمامه ، أو تعدد مساوئهم. و «عليهم» : صلة لتذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا. ولا يتعلق بحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدّم عليه صلته ، إلا أن يتسامح فى الجار والمجرور.
يقول الحق جل جلاله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) بأن غلب هواه على عقله ، وجهله على علمه ، حتى انعكس رأيه ، (فَرَآهُ حَسَناً) ؛ فرأى الباطل حقا ، والقبيح حسنا ، كمن هداه الله واستبصر ، فرأى الحق حقا ، والباطل باطلا ، فتبع الحق ، وأعرض عن الباطل ، ليس الأمر كذلك ، (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، فمن أضله رأى الباطل حقا ، فتبعه ، ومن هداه رأى الباطل باطلا ، فاجتنبه ، والحق حقا فاتبعه. (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أي : فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب ، فإن أمرهم بيدي ، وأنا أرحم بهم منك ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيجازيهم عليه ، وهو وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم.
الإشارة : إذا أراد الله إبعاد قوم ؛ غطى نور بصيرتهم بظلمة الهوى ، فيزيّن فى عينهم القبيح ، ويستقبح المليح ، فيرون القبيح حسنا ، والحسن قبيحا ، كما قال الشاعر :
يغمى على المرء فى أيام محنته |
|
حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن |
قال القشيري : ومعنى التزيين ؛ كالكافر يتوهّم أنّ فعله حسن ، وهو عند الله من أقبح القبيح ، ثم الراغب فى الدنيا يجمع حلالها وحرامها ، ويحوّش حطامها (١) ، لا يتفكر فى زوالها ، ولا فى ارتحاله عنها من قبل كمالها ، لقد زيّن له سوء عمله ، والذي يتبع الشهوات يبيع مؤبد راحته فى الجنة ، بمتابعة شهوة ساعة ، فلقد زين له سوء عمله ، والذي يؤثر على ربّه شيئا من المخلوقات ، فهو من جملتهم ، والذي يتوهّم أنه إذا وجد النجاة والدرجات فى الجنة
__________________
(١) أي : يجمعه ويدخره.