فقد اكتفى ، فقد زيّن له سوء عمله ، حيث تغافل عن حلاوة مناجاته. والذي هو فى صحبة حظوظه ، دون إيثار حقوق الله ، فقد زين له سوء عمله فرآه حسنا. ه.
قلت : وكذلك من وقف مع الكرامات والمقامات ، وحلاوة الطاعات ، دون درجة المشاهدة ، فقد زين له سوء عمله. والحاصل : كل من وقف مع شىء ، دون تحقيق الفناء فى الذات ، فهو مزيّن له سوء عمله. وكل من لم يصحب الرجال فهو غالط ، يظن أنه واصل ، وهو منقطع فى أول البدايات. وبالله التوفيق. وقوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ، كذلك يقال للواعظ ، إذا رأى إدبار الخلق ، وعدم تأثير الوعظ فيهم ، فليكتف بعلم الله فيهم ، ولا يتأسف على أحد ، فإن التوفيق بيد الله.
وربما يحييهم بعد حين ، كما يحيى الأرض بعد موتها ، كما أشار إلى ذلك بقوله :
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩))
قلت : «كذلك» : خبر مقدم ، و «النشور» : مبتدأ.
يقول الحق جل جلاله : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) ، وفى قراءة بالإفراد ، للجنس (١) ، (فَتُثِيرُ سَحاباً) أي : تزعجه ، وعبّر بالمضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة ، التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ، الدالة على كمال القدرة وباهر الحكمة. (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) ؛ لا نبات فيه ، (فَأَحْيَيْنا بِهِ) أي : بالمطر النازل منه (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ؛ بعد يبسها. وعدل من الغيبة الى التكلم ؛ لأنه أدخل فى الاختصاص ؛ لما فيه من مزيد بديع الصنع ، (كَذلِكَ النُّشُورُ) أي : مثل إحياء الموات نشور الأموات. وقيل : يحيى الله الخلق بماء يرسله من تحت العرش ، كمنىّ الرجال ، فتنبت به الأجساد فى قبورها ، ثم يرسل الأرواح فتدخل فى أشباحها (٢). قال أبو رزين : قلت : يا رسول الله كيف يحيى الله الموتى؟ وما آية ذلك فى خلقه؟ فقال : «هل مررت بواد أهلك محلا؟ ـ أي : جدبا ـ قلت : نعم ، قال : فكذلك يحيى الله الموتى ، وتلك آية الله فى خلقه» (٣).
__________________
(١) قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي (الريح) بالتوحيد ، وقرأ الباقون (الرياح) بالجمع. انظر الإتحاف (٢ / ٣٩٢).
(٢) ذكره الطبري (٢٢ / ١١٩).
(٣) أخرجه أحمد فى المسند (٤ / ١١) والطبراني فى الكبير (١٩ / ٢٠٨ ح ٤٧٠) والطيالسي (ص ١٤٧ ح ١٠٨٩) عن أبى رزين العقيلي. قال الهيثمي فى المجمع (١ / ٨٥) : رجاله ثقات.