الإشارة : والله الذي أرسل رياح الهداية ، فتزعج سحاب الغين عن قلوب أهل الهداية ، فسقناه ـ أي : ريح الهداية ـ إلى قلب ميت بالغفلة والجهل بالله ، فأحيينا بالوارد الناشئ عن ريح الهداية أرض النفوس ، بالنشاط إلى العبادة ، والذكر ، والمعرفة ، بعد موتها بالغفلة والقسوة ، كذلك النشور. وذلك عزها ، كما قال تعالى :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))
يقول الحق جل جلاله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) أي : الشرف والمنعة على الدوام ، فى الدنيا والآخرة ، (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) ؛ فليطلبها من عنده ، بالتقوى ، والعلم ، والعمل الصالح ، كالزهد فى الدنيا ، والتبتل إلى الله ، أي : فالعزة كلها مختصة بالله ، عز الدنيا وعز الآخرة. وكان الكفار يتعززون بالأصنام ، كما قال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (١) ، والمنافقون كانوا يتعززون بالمشركين ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ..) (٢) ، فبيّن أن العزة إنما هى لله بقوله : «فإن العزة لله» فليطلبها من أرادها من عنده. فوضع قوله : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) موضعه ، استغناء به عنه ؛ لدلالته ؛ لأن الشيء لا يطلب إلا من عند صاحبه ومالكه. ونظيره قولك : من أراد النصيحة ؛ فهى عند الأبرار ، أي : فليطلبها من عندهم. وفى الحديث : «إن ربكم يقول كل يوم : أنا العزيز ، فمن أراد عزّ الدارين فليطع العزيز» (٣).
ثم ذكر ما يطلب به العز ، وهو العمل المقبول ، بقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) ؛ كلمة التوحية : لا إله إلا الله ، وما يلحقها من الأذكار ، والدعاء ، والقراءة. وعنه صلىاللهعليهوسلم : «هو سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر. إذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء ، فحيّا بها وجه الرحمن (٤). وكان القياس : الطيبة ، ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحدة إلا التاء يذكّر ويؤنّث. ومعنى الصعود : القبول والرضا ، وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود.
__________________
(١) الآية ٨١ من سورة مريم.
(٢) الآية ١٣٩ من سورة النساء.
(٣) ذكره ابن الجوزي فى الموضوعات (١ / ١٢٠) عن أنس رضي الله عنه. وقال ابن الجوزي : وهذا من تلصيص سعيد بن هبيرة العامري ، قال ابن عدى : كان يحدث الموضوعات.
(٤) أخرجه بنحوه الطبري (٢٢ / ١٢٠) والحاكم ـ وصححه ووافقه الذهبي (٢ / ٤٢٥) ـ وأخرجه البيهقي فى الأسماء والصفات (٢ / ٣٤) والبغوي فى التفسير (٦ / ٤١٤ ـ ٤١٥) من حديث ابن مسعود ، موقوفا.