(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) كالعبادة الخالصة (يَرْفَعُهُ) الله تعالى ، أي : يقبله. أو : الكلم الطيب ، فالرافع على هذا الكلم الطيب ، والمرفوع العمل الصالح ، أي : والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ؛ لأن العمل متوقف على التوحيد ، المأخوذ من الكلم الطيب ؛ وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع ، والكلم الطيب يصعد بنفسه ، ففيه ترجيح الذكر على سائر العمل. وقيل : بالعكس ، أي : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فإذا لم يكن عمل صالح فلا يقبل منه الكلم الطيب. وقيل : والعمل الصالح يرفع العامل ويشرفه ، أي : من أراد العزّة والرفعة فليعمل العمل الصالح ؛ فإنه هو الذي يرفع العبد.
ثم ذكر سبب الذل فى الدارين ، فقال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ) المكرات (السَّيِّئاتِ) ، فالسيئات : صفة لمصدر محذوف ؛ لأن «مكر» لا يتعدى بنفسه. والمراد : مكر قريش برسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اجتمعوا فى دار الندوة ؛ كما قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (١) الآية. (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) فى الآخرة ، (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي : يفسد ويبطل ، دون مكر الله بهم ، فالضمير يفيد الاختصاص.
الإشارة : العز على قسمين : عز الظاهر ، وعز الباطن ، فعز الظاهر هو تعظيم الجاه وبعد الصيت ، واحترام الناس لصاحبه ، ولمن تعلق به ، وسببه : التقوى ، والعلم ، والعمل ، ومكارم الأخلاق ؛ كالسخاء ، والتواضع ، وحسن الخلق ، والإحسان إلى عباد الله. وعز الباطن : هو الغنى بالله ، وبمعرفته ، والتحرر من رق الطمع ، والتحلي بحلية الورع. وسببه الذل لله ، يظهر ذلك بين أقرانه ، كما قال الشاعر :
تذلّل لمن تهوى لتكسب عزة |
|
فكم عزة قد نالها المرء بالذّل |
إذا كان من تهوى عزيزا ولم تكن |
|
ذليلا له فاقر السلام على الوصل |
وغايته : الوصول إلى معرفة الشهود والعيان. فإذا تعزز القلب بالله لم يلتفت إلى شىء ، ولم يفتقر إلى شىء ، وكان حرا من كل شىء ، عبدا لله فى كل شىء. وقد يجتمع للعبد العزان معا ، إذا كان عارفا بالله عاملا ، وقد ينفرد عز الظاهر فى أهل الظاهر ، وينفرد عز الباطن فى بعض أهل الباطن ، يتركهم تحت أستار الخمول ، حتى يلقوه وهم
__________________
(١) من الآية ٣٠ من سورة الأنفال.