عرائس الأولياء ، ضنّ بهم الحق تعالى عن خلقه ، فلم يظهرهم لأحد ، حتى قدموا عليه ، وهم الأولياء الأخفياء الأتقياء ، كما ورد مدحهم فى الحديث (١). وكلا العزين لله ، وبيد الله ، فلا يطلب واحد منهما إلا منه سبحانه.
قال القشيري : وقال فى آية أخرى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٢) فأثبت العزة لغيره ، والجمع بينهما : أن عزّة الربوبية لله وصفا ، وعزّة الرسول والمؤمنين لله فضلا ، ومنه لطفا ، فإذا العزة لله جميعا. والكم الطيب هو الذي يصدر عن عقيدة طيبة ، وقلب طيب ، لا كدر فيه ولا أغيار ، وقيل : ما ليس فيه حظ للعبد ، وقيل : ما يستخرج من العبد ، وهو فيه مفقود ، وقيل : ما ليس فيه حاجة ، ولا يطلب عليه عوض ، وقيل : ما يشهد بصحته الإذن والتوقيف. انظر القشيري.
ويؤخذ من قوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أن العمل إذا بقي بين عين العبد يلحظه ، وينظر إليه ، فهو علامة على عدم قبوله ، إذ لو قبل لرفع عن نظره ، فلا عمل أرجى للقلوب من عمل يغيب عنك شهوده ، ويختفى لديك وجوده. والذين يمكرون بالأولياء ، المكرات السيئات ، لهم عذاب شديد ، وهو البعد من الله ، ومكر أولئك هو يبور. وأما الأولياء فهم فى حجاب مستور ، من كل مكر وخداع وغرور.
ثم ذكر أصل نشأتهم ؛ ليتحققوا ضعفهم ووهنهم ، فقال :
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١))
يقول الحق جل جلاله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) أي : أباكم (مِنْ تُرابٍ ، ثُمَ) أنشأكم (مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) ؛ أصنافا ، أو : ذكرانا وإناثا ، (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) ؛ إلا معلومة له ، وقتا وكيفية ، (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي : وما يمد فى عمر أحد فيكون طويلا. وإنما سمّاه معمّرا لما هو صائر
__________________
(١) يشير الشيخ المفسر ـ رحمهالله ـ إلى حديث : «إن لله ضنائن من خلقه ، يغدوهم فى رحمته ، يحييهم فى عافية ، ويميتهم فى عافية ، وإذا توفاهم توفاهم إلى جنته ، أولئك الذي تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم بها فى عافية» ، عزاه السيوطي فى الجامع الصغير (ح ٢٣٧٢) للطبرانى ، وأبى نعيم فى الحلية ، عن ابن عمر رضي الله عنه.
(٢) من الآية ٨ من سورة المنافقون.