وكيف يفتقر العبد إلى العبد وهو لا يغنى عنه شيئا؟! قال تعالى :
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨))
قلت : «وازرة» : صفة لمحذوف ، أي : نفس آثمة. و «إن تدع» : شرط ، و «لا يحمل» : جواب ، و «لا» النافية لا تمنع الجواب من الجزم.
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، والوزر والوقر أخوان ، ووزر الشيء : حمله. والمعنى : أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته ، فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى ، كما تأخذ جبابرة الدنيا الظلمة الجار بجريمة الجار ، والقريب بالقريب ، فذلك ظلم محض. وأما قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (١) ففى الضالّين المضلّين ، فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وأثقال ضلالهم ، وكل ذلك أوزارهم ، ليس فيها شىء من أوزار غيرهم. ألا ترى كيف كذّبهم الله تعالى فى قوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢).
قال ابن عطية : من تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه فى جريمة ـ كفعل [زياد ونحوه] (٣) ، فإن ذلك ، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ، أو مواصلة ، أو اطلاع على حاله ، أو تقرير له ، فهذا قد أخذ من الجرم بنصيب. وهذا هو المعنى بقوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ ...) الآية ؛ لأنهم أغروهم ، وهو معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ سنّة حسنة ..» (٤) الحديث ، فراجعه. قلت : لا يجوز الإقدام على ظلم أحد بمجرد الظن ، فالصواب حسم هذا الباب ، والتصريح بتحريمه ؛ لكثرة جور الحكام.
ثم قال تعالى : (وَإِنْ تَدْعُ) نفس (مُثْقَلَةٌ) بالذنب أحدا (إِلى حِمْلِها) أي : إلى حمل ثقل ذنوبها ، ليتحمل عنها بعض ذلك ، (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ) المدعو ، المفهوم من قوله : (وَإِنْ تَدْعُ) ، (ذا
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة العنكبوت.
(٢) الآية ١٢ من سورة العنكبوت.
(٣) فى الأصول [كفعل زاد] والمثبت هو الذى فى تفسير ابن عطية. قلت : قال أبو حيّان فى البحر المحيط ، تعقيبا على كلام ابن عطية : «وكأن ابن عطية تأوّل أفعال زياد ، وما فعل فى الإسلام ، وكانت سيرته قريبة من سيرة الحجّاج»
(٤) الحديث أخرجه كاملا مسلم فى (الزكاة ، باب الحث على الصدقة ، ٢ / ٧٠٥ ، ح ١٠١٧) من حديث جرير بن عبد الله.