من وصف الرب ، فمن تحقق بوصفه أمده الله بوصفه ، «تحقق بوصفك يمدك بوصفه ، تحقق بفقرك يمدك بغناه ، تحقق بذلك يمدك بعزه» (١).
وقال القشيري ـ بعد كلام ـ : والفقراء على أقسام ؛ فقير إلى الله ، وفقير إلى شىء هو من الله ؛ معلوم وموسوم. ومن افتقر إلى شىء استغنى بوجود ذلك الشيء ، فالفقير إلى الله هو الغنى بالله ، فالافتقار إلى الله لا يخلو من الاستغناء بالله. فالفقير إليه مستغن به ، والمستغنى به فقير إليه. ومن شرف الفقر اقترانه بالتواضع والخشوع ، ومن آفات الغنى امتزاجه بالتكبّر. وشرف العبد وعزه فى فقره ، وذلّه وصغاره فى توهمه الغنى ، وأنشدوا.
وإذا تذلّلت الرقاب [تقرّبا] (٢) |
|
منّا إليك فعزّها فى ذلّها |
ومن شرط الفقير : ألا يملك شيئا ، ولا يملكه شىء. ومن آداب الفقير الصادق : إظهار التكثر عند وجود التقتر ، والشكر على البلوى ، والبعد عن الشكوى. ويقال : الفقر المحمود : العيش مع الله براحة الفراغ على سرمد الوقت ، من غير استكراه شىء منه بكلّ وجه. ه. ملخصا.
قال الورتجبي : فطرة الإنسانية وقعت من الغيب مضطربة متحركة إلى الأزل ، بنعت الافتقار إليه ، كانجذاب الحديد إلى المغناطيس ؛ لأنها وقعت بنعت العشق ، والعاشق مفتقر إلى معشوقه ، انفعالا ، فمن عرفه بالأزلية والأبدية يفتقر إليه افتقارا قطعيا ؛ لأن بقاءه لا يكون إلا به. وإذا كان كذلك صار غنيا بالله ، متصفا بغناه ، غنيا به عن غيره ، مفتقرا إليه. فإذا كان فى محل الصحو يكون مفتقرا إليه ، وإذا كان فى محل السكر بقي فى رؤية غناه عنه ، فصار محجوبا عنه ، ولا يدرى. ه.
وقال سهل رضي الله عنه : لمّا خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ، ولهم بالفقر ، فمن ادّعى الغنى ، حجب عن الله ، ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه. فينبغى للعبد أن يكون مفتقرا بالسرّ إليه ، ومنقطعا عن الغير إليه ، حتى يكون عبوديّته لله محضة ، فالعبودية هى الذل والخضوع. ه.
وقال الواسطي : من استغنى بالله لا يفتقر ، ومن يتعزز بالله لا يذل. وقال يحيى بن معاذ : الفقر خير للعبد من الغنى ؛ لأن الذلة فى الفقر ، والكبر فى الغنى ، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلّة خير من الرجوع إليه بكثرة الأعمال. وقيل : صفة الأولياء ثلاثة : الثقة بالله فى كل شىء ، والفقر إليه فى كل شىء ، والرجوع إليه من كل شىء.
__________________
(١) فى الأصول [بقربها].
(٢) انظر الحكم (ص ٣١ ، حكمة / ١٧٨).