الذات الأزلية ، فالكل منه وإليه ، ولا شىء معه ، فتنوعت أنوار التجليات ، وتعددت أسماؤها بتعدد فروعها ، والمتجلى واحد ، كما قال صاحب العينية :
تجلّى حبيبى فى مرائى جماله |
|
ففى كلّ مرئي للحبيب طلائع |
فلمّا تبدّى حسنه متنوّعا |
|
تسمّى بأسماء فهن مطالع. |
ولا يفهم هذا إلا من هداه الله لمعرفته ، كما قال :
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦))
يقول الحق جل جلاله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) لكل ما يليق بيانه ؛ من الأحكام الديني ، ة والأسرار التكوينية. أو : موضحات ، أوضحنا بها ما يحتاجون إليه من علم الشرائع والأحكام ، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) توفيقه (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : دين قيّم يوصل إلى رضوان الله ومعرفته.
الإشارة : لقد أنزلنا من بحر الجبروت أنوارا ساطعة لعالم الملكوت ، والله يهدى من يشاء إلى طريق شهود هذه الأنوار. فالطريق المستقيم هى التي توصل إلى حضرة العيان ، على نعت الكشف والوجدان ، وهى ثلاثة مدارج : المدرج الأول : إتقان الشريعة الظاهرة ، وهى تهذيب الظواهر وتأديبها بالسنّة والمتابعة. والمدرج الثاني : إتقان الطريقة ، وهى تهذيب البواطن وتصفيتها من الرذائل ، فإذا تطهر الباطن ، وكمل تهذيبه ، أشرف على المدرج الثالث ، وهو كشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية ، فيفنى من لم يكن ، ويبقى من لم يزل ، فيقع العيان عل فقد الأعيان ، وتشرق شمس العرفان فتغطى وجود الأكوان. وبالله التوفيق. (١)
ولما ذكر إنزال الآيات ذكر افتراق الناس إلى ثلاث فرق ، فرقة آمنت ظاهرا وكفرت باطنا ، وهم المنافقون ، وفرقة آمنت ظاهرا وباطنا ، وهم المخلصون ، وفرقة كفرت ظاهرا وباطنا وهم الكافرون ، وبدأ بالأولى ، فقال :
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠))
__________________
(١) انظر النادرات العينية / ٦٩.