الأحوال معصية ، ثم توبة ، ثم استقامة. وقال سهل : السابق : العالم ، والمقتصد : المتعلم ، والظالم : الجاهل. وقال أيضا : السابق : الذي اشتغل بمعاده ، والمقتصد : الذي اشتغل بمعاشه ومعاده ، والظالم : الذي اشتغل بمعاشه عن معاده. وقيل : الظالم : الذي يعبده على الغفلة والعادة ، والمقتصد : الذي يعبده على الرغبة والرهبة ، والسابق : الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق. وقيل : الظالم : من أخذ الدنيا حلالا وحراما ، والمقتصد : المجتهد ألا يأخذها إلا من حلال ، والسابق : من أعرض عنها جملة.
وقيل : الظالم : طالب الدنيا ، والمقتصد : طالب الآخرة ، والسابق : طالب الحق لا يبغى به بدلا. جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه. وقال عكرمة والحسن وقتادة : الأقسام الثلاثة فى جميع العباد ؛ فالظالم لنفسه : الكافر ، والمقتصد : المؤمن العاصي ، والسابق : التقى على الإطلاق. وقالوا هذه الآية نظير قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) (١) والتحقيق ما تقدم.
وقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) أي : بأمره ، أو : بتوفيقه وهدايته (ذلِكَ) أي : إيراث الكتاب والاصطفائية. أو السبق إلى الخيرات (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) الذي لا أكبر منه ، وهو (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) أي : الفرق الثلاث ؛ لأنها ميراث ، والعاق والبار فى الميراث سواء ، إذا كانوا مقرين فى النسب. وقرأ أبو عمرو بالبناء للمفعول. (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ) ؛ جمع أسورة ، جمع سوار ، (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) أي : من ذهب مرصّع باللؤلؤ. وقرأ نافع بالنصب (٢) ، عطف على محل أساور ، أي : يحلون أساور ولؤلؤا. (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) ؛ لما فيه من اللذة والليونة والزينة.
(وَقالُوا) بعد دخولهم الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ؛ خوف النار ، أو : خوف الموت ، أو : الخاتمة ، أو : هم الرزق. والتحقيق : أنه يعم جميع الأحزان والهموم ، دنيوية أو أخروية ، وعن ابن عمر : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس على أهل لا إلا الله وحشة ، فى قبورهم ، ولا فى محشرهم ، وكأنى بأهل لا إله إلا الله يخرجون من قبورهم ، وهم ينفضون التراب عن وجوههم ، فيقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن» (٣). (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) ، يغفر الجنايات ، وإن كثرت ، ويقبل الطاعات ، ويشكر عاملها ، وإن قلّت. (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ)
__________________
(١) الآية ٧ من سورة الواقعة.
(٢) وهى أيضا قراءة عاصم. وقرأ الباقون بالجر عطفا على «ذهب». انظر الإتحاف (٢ / ٣٩٣).
(٣) أخرجه البغوي فى تفسيره (٦ / ٤٢٤) وعزاه الحافظ ابن حجر ، فى الكافي الشاف (ص ١٣٩) لأبى يعلى ، وابن أبى حاتم ، والبيهقي فى أول الشعب ، والطبراني فى الأوسط.