قلت : وهذا النوع من المتوجهين غلب عليه سكر المحبة ، ودهش العشق ، فادعى قوة الربوبية ، وطلب إدراك الألوهية ، ونسى ضعف عبوديته ، فكان ظالما لنفسه ، من هذا المعنى ؛ إذ العبودية لا تطيق إدراك كنه الربوبية. ولو أنه طلب الوصول إليه من جهة فقره ، وضعفه ، لكان مقتصدا ، ولو أنه طلب الوصول إلى الله بالله لكان سابقا. فالأقسام الثلاثة تجرى فى المتوجهين ؛ فالظالم لنفسه : من غلب سكره على صحوه فى بدايته ، والمقتصد من غلب صحوه على سكره فى بداية سيره ، والسابق من اعتدل سكره مع صحوه فى نهايته أو سيره.
أو الظالم : السالك المحض ، والمقتصد : المجذوب المحض ، والسابق : الجامع بينهما ؛ إذ هو الذي يصلح للتربية. أو الظالم : الذي ظاهره خير من باطنه ، والمقتصد : الذي استوى ظاهره وباطنه ، والسابق : هو الذي باطنه خير من ظاهره.
وعن عليّ ـ كرم الله وجهه ـ : الظالم : الآخذ بأقوال النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمقتصد : الآخذ بأقواله وأفعاله ، والسابق : الآخذ بأقواله وأفعاله وأخلاقه. وقال القشيري : ويقال : الظالم : من غلبت زلّاته ، والمقتصد : من استوت حالاته ، والسابق : من زادت حسناته. أو : الظالم : من زهد فى دنياه ، والمقتصد : من رغب فى عقباه ، والسابق : من آثر على الدارين مولاه. أو : الظالم : من نجم كوكب عقله ، والمقتصد : من طلع بدر علمه ، والسابق : من ذرّت شمس معرفته. أو : الظالم : من طلبه ، والمقتصد : من وجده ، والسابق : من بقي معه. أو : الظالم : من ترك الزلة ، والمقتصد : من ترك الغفلة ، والسابق : من ترك العلاقة. أو : الظالم : من جاد بنفسه ، والمقتصد : من لم يبخل بقلبه ، والسابق : من جاد بروحه. أو : الظالم : من له علم اليقين ، والمقتصد : من له عين اليقين ، والسابق : من له حق اليقين. أو : الظالم. بترك الحرام ، والمقتصد : بترك الشّبهة ، والسابق : بترك الفضل فى الجملة.
أو : الظالم : صاحب سخاء ، والمقتصد : صاحب جود ، والسابق : صاحب إيثار. أو : الظالم : صاحب رجاء ، والمقتصد : صاحب بسط ، والسابق : صاحب أنس. أو : الظالم : صاحب خوف ، والمقتصد : صاحب خشية ، والسابق : صاحب هيبة. أو : الظالم له المغفرة ، والمقتصد : له الرحمة ، والسابق : له القربة ، أو : الظالم : طالب النجاة ، والمقتصد : طالب الدرجات ، والسابق : طالب المناجاة. أو : الظالم : أمن من العقوبة ، والمقتصد : طالب المثوبة ، والسابق : متحقق بالقربة. أو : الظالم : صاحب التوكل ، والمقتصد : صاحب التسليم ، والسابق : صاحب التفويض ، أو : الظالم : صاحب تواجد ، والمقتصد : صاحب وجد ، والسابق : صاحب وجود ـ غير محجوب عنه البتة ـ. أو : الظالم : مجذوب إلى فعله ، والمقصد مكاشف بوصفه ، والسابق : مستهلك فى حقه ، الذي هو وجوده. أو : الظالم : صاحب