قلت : «أرأيتم» : بمعنى : أخبرونى ، وهى تطلب مفعولين : أحدهما منصوب ، والآخر مشتمل على استفهام ، كقولك : أرأيت زيدا ما فعل ، فالأول : (شركاءكم) والثاني : (ماذا خلقوا). و (أرونى) : اعتراض ، فيها تأكيد للكلام وتشديد. ويحتمل أن يكون من باب التنازع ؛ لأنه توارد على (ماذا خلقوا) : (أرأيتم) و (أرونى) ، ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين. قاله أبو حيان. ولابن عطية وابن عرفة غير هذا ، فانظره. و «بعضهم» : بدل من «الظالمين».
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) أي : أخبرونى عن آلهتكم التي أشركتموها فى العبادة مع الله ، (الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي : تعبدونهم (مِنْ دُونِ اللهِ) ، ما سندكم فى عبادتهم؟ (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي : جزء من الأرض ، استبدّوا بخلقه حتى استحقوا العبادة بسبب ذلك ، (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي : أم لهم مع الله شركة فى خلق السموات حتى استحقوا أن يعبدوا؟ بل لا شىء من ذلك ، فبطل استحقاقها للعبادة. (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) ؛ أم معهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه ، (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) ؛ فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب؟ قال ابن عرفة : هذا إشارة إلى الدليل السمعي ، والأول إشارة إلى الدليل العقلي ، فهم لم يستندوا فى عبادتهم الأصنام إلى دليل عقلى ولا سمعى ، (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ) أي : ما يعد الظالمون ، وهم الرؤساء (بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) ؛ باطلا وتمويها ، وهو قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١). لمّا نفى أنواع الحجج العقلية والسمعية ، أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه ، وهو تقرير الأسلاف الأخلاف ، والرؤساء الأتباع ؛ بأنهم شفعاء عند الله تقربهم إليه. هذا هو التقليد الردئ ، والعياذ بالله.
الإشارة : كل من ركن إلى مخلوق ، أو اعتمد عليه ، يتلى عليه : (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ ..) الآية. وفى الحكم : «كما لا يقبل العمل المشترك ، لا يحب القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله ، والقلب المشترك لا يقبل عليه».
ثم ذكر من يستحق العبادة وحده ، فقال :
(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١))
__________________
(١) من الآية ١٨ من سورة يونس.