جرم أنهم فى غشاوة القسوة ، لا يبصرونه أبدا. ه. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله من خشع قلبه بذكر الله ، واشتاقت روحه إلى لقاء الله ، فبشّره بمغفرة لذنوبه ، وتغطية لعيوبه ، وأجر كريم ، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.
ثم ردّ على من أنكر البعث ، ممن سبق له الشقاء ، فقال :
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي : نبعثهم بعد مماتهم ، أو : نخرجهم من الشرك إلى الإيمان. قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن الفاسى : لمّا أمر بالتبشير بالمغفرة ، والأجر الكريم ، لمن انتفع بالإنذار ، أعلم بحكم من لم يؤمن ، ولم ينتفع بالإنذار ، وأنه يبعثهم ، وإليه حكمهم ، كما قال : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) (١) ه.
(وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ؛ ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها ، (وَآثارَهُمْ) ؛ ما تركوه بعدهم من آثار حسنة ، كعلم علّموه ، أو كتاب صنّفوه ، أو حبس حبسوه ، أو رباط أو مسجد صنعوه. أو آثار سيئة ، كبدعة ابتدعوها فى الإسلام. ونحوه قوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (٢) أي : قدّم من عمله وأخّر من آثاره. وفى الحديث : «من سنّ فى الإسلام سنّة حسنة ، فعمل بها من بعده ، كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شىء. ومن سنّ فى الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها ، من غير أن ينقص من أوزارهم شىء» (٣) وفى خبر آخر : «سبع تجرى على العبد بعد موته : من غرس غرسا ، أو حفر بئرا ، أو أجرى نهرا ، أو علّم علما ، أو بنى مسجدا ، أو ورّث مصحفا ، أو ولدا صالحا» (٤). انظر المنذرى. وهذا كله داخل فى قوله تعالى : (وَآثارَهُمْ) قيل : آثارهم : خطاهم إلى المساجد ، للجمعة وغيرها.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) ؛ حفظناه ، أو عددناه وبيّناه (فِي إِمامٍ) ؛ كتاب (مُبِينٍ) ؛ اللوح المحفوظ ؛ لأنه أصل الكتب وإمامها ، وقيل : صحف الأعمال. والمراد : تهديد العباد بإحصاء ما صنعوه من خير أو شر ، لينزجروا عن معاصى الله ، وينهضوا إلى طاعة الله.
__________________
(١) الآية ٣٦ من سورة الأنعام.
(٢) الآية ١٣ من سورة القيامة.
(٣) أخرجه مسلم ، فى (الزكاة ، باب : الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ، ٢ / ٧٠٤ ـ ٧٠٥ ، ح ١٠١٧) من حديث جرير.
(٤) أخرجه بنحوه البزار (كشف الأستار ـ ١٤٩) والبيهقي فى الشعب (ح ٣٤٤٩) من حديث أنس بن مالك. وأخرجه ابن ماجه ، بلفظ مقارب ، فى (المقدمة / ح ٢٤٢) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.