قال الكواشي : تمنى أن يعلم قومه أنّ الله قد غفر له ، وأكرمه ، ليرغب قومه فى اتباع الرسل ، فيسلموا ، فنصح قومه حيا وميتا. وكذلك ينبغى أن يكون كل داع إلى الله تعالى ، فى المجاهدة والنصيحة لعباد الله ، وألّا يحقد عليهم إن آذوه ، وأن يكظم كل غيظ يناله بسببهم. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سبّاق الأمم ثلاثة : على بن أبى طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون» (١). ه.
قال القشيري : قد أبلغ ـ حبيب الوعظ ، وصدق النّصح ، ولكن كما قالوا وأنشدوا :
وكم سقت فى آثاركم من نصيحة |
|
وقد يستفيد البغة المتنصّح (٢) |
فلمّا صدق فى حاله ، وصبر على ما لقى من قومه ، ورجع إلى ربه ، تلقّاه بحسن إقباله ، وآواه إلى كنف إفضاله ، ووجد ما وعده به من لطف نواله ، فتمنّى أن يعلم قومه حاله ، فحقّق مناه ، وأخبر عن حاله ، وأنزل فيه خطابه ، وعرف قومه ه.
الإشارة : أحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفى الحديث : «لئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» (٣) فينبغى لمن أراد الظفر بمحبة الحبيب ، وينال منه الحظوة والتقريب ، أن يتحمل المشاق فى إرشاد عباد الله ، ويستعمل الأسفار فى ذلك ، لينال عنده الجاه الكبير ، والقرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنّه وكرمه.
ثم ذكر هلاك قومه ، فقال :
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩))
يقول الحق جل جلاله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد قتله ، أو رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) فيهلكهم ، (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ؛ وما كان يصحّ فى حكمنا فى إهلاك قوم أن ننزل عليهم جندا من
__________________
(١) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٤٩٢) بنحوه ، للطبرانى ، وابن مردويه ، بسند ضعيف ، عن ابن عباس رضي الله عنه.
(٢) البيت للعباس بن الفرج الرياشي. انظر : الكامل للمبرد (٢ / ٣٩٢).
(٣) جزء من حديث شريف ، أخرجه البخاري فى (فضائل الصحابة ، باب : مناقب سيدنا على بن أبى طالب ، ح ٣٧٠١) ومسلم فى (فضائل الصحابة باب : من فضائل سيدنا على بن أبى طالب رضي الله عنه ، ٤ / ١٨٧٢ ، ح ٢٤٠٦) من حديث سهل بن سعد ، رضي الله عنه.