السماء ، كما فعلنا معك يوم بدر والخندق ؛ لحظوتك عندنا. وفيه تحقير لإهلاكهم ، وتعظيم لشأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال فى الكشاف : فإن قلت : لم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ، مع أنه كان يكفى ملك واحد ، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل ، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة؟ قلت : لأن الله فضّل محمدا صلىاللهعليهوسلم بكل شىء ، على كبار الأنبياء وأولى العزم ، فضلا عن حبيب النجار. ه. ملخصا. (إِنْ كانَتْ) العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، صاح عليهم جبريل عليهالسلام (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ؛ ميتون.
الإشارة : كل وعيد ورد فى مكذّبى الرسل يجر ذيله على مكذّبى الأولياء ؛ لأنهم خلفاء الأنبياء ، إلا أن عقوبة مؤذى الأولياء ، تارة تكون ظاهرة ، فى الأبدان والأموال ، وتارة باطنة ، فى قسوة القلوب والتعويق عن صالح الأعمال ، وكسف نور الإيمان والإسلام ، والبعد وسوء الختام ، وهى الحسرة العظمى ، كما قال تعالى :
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢))
قلت : (كَمْ أَهْلَكْنا) : معلّقة ليروا عن المفعولين. و (أَنَّهُمْ) : بدل من (كَمْ) ، والتقدير : ألم يروا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون كونهم غير راجعين إليهم. و (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) : من قرأ «لما» بالتخفيف (١) ، فإن : مخففة ، واللام : فارقة ، و «ما» مزيدة ، أي : وإنه ، أي : الأمر والشأن لجميع محضرون عندنا. ومن قرأها بالتشديد ؛ فإن : نافية ، و «لمّا» : بمعنى إلا ، أي : ما كلهم إلا مجموعون ومحضرون للحساب.
يقول الحق جل جلاله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) تعالى ، فهذا أوان حضورك. ثم بيّن لأى شىء كانت الحسرة عليهم ، فقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) من عند الله (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين ، المنوط بنصحهم خير الدارين ، أحقّاء بأن يتحسّروا ، ويتحسّر عليهم المتحسّرون ، ويتلهّف المتلهّفون. أو : هم متحسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي : ألم يعلموا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون الماضية ، (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) أي : كونهم غير راجعين إليهم أبدا حتى يلحقوا بهم ، ففيهم عبرة وموعظة لمن يتعظ. (وَإِنْ
__________________
(١) قرأ ، ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة «لمّا» بتشديد الميم. وقرأ الباقون بالتخفيف. انظر الإتحاف (٢ / ٤٠٠).