أكرم ما أكرم الله ، وأهين ما أهان الله. ويحتمل أن يكون قولهم ذلك استهزاء ، فكأنهم قالوا : لم لا يرزقهم إلهك الذي تزعم.
قال الكواشي : قد يتمسك بهذه الآية بعض البخلاء ، فيقول : لا أعطى من حرمه الله. وليس هذا بصحيح ؛ لأن الله تعالى أغنى وأفقر ، وجعل للفقير جزءا من مال الغنى كما يشاء. وفى الإحياء : أن المراد بالصدقة وشرعها : التخلص من رذيلة البخل ، وذلك نفع يعود على المتصدق ، بإخراجه عن حب الدنيا ، وتعلق قلبه بها ، الصادّ عن الله ، وهؤلاء لم يفهموا حكمة الله ، فقالوا ما قالوا. ه. ثم قال : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فى أمركم لنا بالنفقة ، أو فى غير ذلك من دينكم ، أو : يكون من قول الله تعالى للكفرة.
الإشارة : وإذا قيل للعامة : اتقوا ما بين أيديكم ، من شدائد الدنيا ، وما خلفكم ، من أهوال الآخرة ، لعلكم ترحمون فيهما ؛ فإن التقوى الكاملة تحفظ الرجل فى حياته وبعد مماته ، وربما يسرى الحفظ إلى عقبه ، كما هو مشاهد فى عقب أولياء الله. أو : إذا قيل لهم : اتقوا خواطر التدبير فيما بين أيديكم ؛ إذ ليس أمره بيدكم ، فجل ما تبنيه من التدبير تهدمه رياح التقدير ، وخواطر التدبير ، فيما سلف قبلكم ، إذ فيه تحصيل الحاصل ، وتعطيل الوقت بلا فائدة. (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بمقام الرضا ، وسكون القلب وراحته تحت مجارى القضاء ، أعرضوا وانهمكوا فى أودية الغفلة والخواطر. وما تأتيهم من آية دالة على وحدانيته تعالى ، وانفراده بالخلق والتدبير ، إلا كانوا عنها معرضين.
قال القشيري : هذه صفة من سيّبهم فى أودية الخذلان ، ووسمهم بسمة الحرمان ، وأصمّهم عن سماع الرّشد ، وصدّهم بالخذلان عن سلوك القصد ، فلا تأتيهم آية فى الزّجر إلا قابلوها بإعراضهم ، وتجافوا عن الاعتبار بها ، على دوام انقباضهم ، وإذا أمروا بالإنفاق والإطعام عارضوا بأنّ الله رازق الأنام ، وإذا شاء نظر إليهم بالإنعام. ه.
ثم ذكر استعجالهم البعث ، فقال :
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤))