يقول الحق جل جلاله : (وَيَقُولُونَ) ـ استهزاء ـ : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي : وعد البعث والقيامة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تقولون. خطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه. قال تعالى : (ما يَنْظُرُونَ) ؛ ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هى : النفخة الأولى ، (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) ؛ يختصمون ، يخصم بعضهم بعضا فى المعاملات ، لا يخطر ببالهم أمرها ، فتأتيهم بغتة. وقرأ حمزة ـ بسكون الخاء ـ من : خصمه : إذا غلبه فى الخصومة. وفتح الباقون ، مع الاختلاس والنقل وعدمهما. (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) ؛ فلا يستطيعون أن يوصوا فى أمورهم بشىء ، (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) ؛ ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم ، بل يموتون حيث يسمعون الصيحة.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) النفخة الثانية ، بعد خلو الأرض أربعين سنة. والصور : القرن ، أو : جمع صورة. (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) ؛ القبور (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ؛ يسرعون فى المشي إلى المحشر.
(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا) ؛ من أنشرنا (مِنْ مَرْقَدِنا) ؛ مضجعنا؟. قال مجاهد وأبىّ بن كعب : للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم ، فإذا صيح بأهل القبور ، قالوا يا ويلنا من بعثنا؟ وأنكره ابن عطية ، وقال : إنما هو استعارة ، كما تقول فى قتيل : هذا مرقده إلى يوم القيامة. فتقول الملائكة فى جوابهم : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ، أو يقوله المؤمنون ، أو : الكفار ، يتذكرون ما سمعوه من الرسل ، فيجيبون به أنفسهم ، أو بعضهم بعضا. و «ما» : مصدرية ، أي : هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين ، على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق. أو : موصولة ، أي : هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون ، أي : والذي صدق فيه المرسلون.
(إِنْ كانَتْ) النفخة الأخيرة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) للحساب ، ثم يقال لهم فى ذلك اليوم : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير أو شر.
الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة ، والآجلة عاجلة ، فيستعد لها قبل هجومها ، ويتأهب للقائها قبل وقوعها ، أولئك الأكياس ، الذين نظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر الناس إلى ظاهرها ، واهتموا بآجالها ، حين اغتر الناس بعاجلها ، كما فى الحديث فى صفة أولياء الله.