مشركين ، فحينئذ يختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم. وفى الحديث : «يقول العبد يوم القيامة : إنى لا أجيز علىّ إلا شاهدا من نفسى ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقى ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلّى بينه وبين الكلام ، فيقول : بعدا لكنّ ، وسحقا ، فعنكنّ كنت أناضل» (١).
الإشارة : كل من آثر حظوظه ومناه ، ولم يقدر على مجاهدة هواه ، حتى مات محجوبا عن الله ، يلحقه شىء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية ، التي توّصل إلى الحضرة ، التي قام بيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلّ الشيطان عنها خلقا كثيرا ، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه ، فلم يقدروا على التفرغ لذكر الله ، ولم يحطوا رؤوسهم لمن يعرّفهم بالله ، فيقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم توعدون ، إن بقيتم مع حظوظهم ورئاستكم ، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية ، اليوم نختم على أفواههم ، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم ، وتكلمنا أيديهم ، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله : (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ....) إلخ ، فأمّا الكفار فشهادة أعضائهم عليهم مؤبدة ، وأما العصاة من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان ، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان ، وأنشدوا :
بينى وبينك يا ظلوم الموقف |
|
والحاكم العدل ، الجواد المنصف. |
وفى بعض الأخبار المروية : أن عبدا شهدت أعضاؤه عليه بالزّلّة ، فتطير شعرة من جفن عينه ، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعره جفن عبدى احتجّى عن عبدى ، فتشهد له بالبكاء من خوفه ، فيغفر له ، وينادى مناد : هذا عتيق الله بشعرة. ه.
ثم هددهم فى دار الدنيا ، فقال :
(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨))
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (الزهد ، ٤ / ٢٨٨٠ ، ح ٢٩٦٩) من حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه.