دليل على أن العظم تحله الحياة ، فإذا مات صار نجسا ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا تحلّه الحياة ، فهو طاهر كالشعر والعصب.
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) ؛ خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : ابتداء ، (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) ؛ مخلوق (عَلِيمٌ) لا يخفى عليه أجزاؤه ، وإن تفرقت فى البر أو البحر ، فيجمعه ، ويعيده كما كان.
ثم ذكر برهان إحيائه الموتى بقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) ، كالمرخ والعفار ، (ناراً ، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ؛ تقدحون ، ولا تشكون أنها نار خرجت منه ، فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر ، مع ما فيه من المائية ، المضادة للنار ، كان أقدر على إيجاد الحياة والغضاضة فيما غضا ويبس ، وهى الزناد عند العرب ، وأكثرها من المرخ والعفار ، وفى أمثالهم : «فى كلّ شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار» أي : استكثر فى هذين الصنفين. وكان الرجل يقطع منهما غصنين مثل السواكين ، وهما خضراوان ، يقطر منهما الماء ، فيسحق المرخ ـ وهو ذكر ـ على العفار ـ وهى أنثى ، فينقدح النار بإذن الله تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ليس من الشجر شجرة إلا وفيها نار ، إلا العناب ؛ لمصلحة الدقّ للثياب.
والمرخ ـ ككتف : شجر سريع الورى. قاله فى الصحاح. وهو المسمى عندنا بالكلخ. وفى القاموس : عفار كسحاب : شجر يتخذ منه الزناد. قال ابن عطية : النار موجودة فى كل عود ، غير أنها فى المتحلحل ، المفتوح المسام ، أوجد ، وكذلك هو المرخ والعفار. ه.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) مع كبر جرمهما ، وعظم شأنهما (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ؛ مثل أجسامهم فى الصّغر والحقارة ، بالإضافة إلى السموات والأرض ، أو : أن يعيدهم مثل ما كانوا عليه فى الذات والصفات ؛ لأن المعاد مثل المبدأ ، بل أسهل ، (بَلى) أي : قل : بلى هو قادر على ذلك ، (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) ؛ كثير الخلق والاختراع ، (الْعَلِيمُ) بأحوال خلقه ، أو : كثير المخلوقات والمعلومات.
(إِنَّما أَمْرُهُ) ؛ شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) يكونه (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فيحدث ، أي : فهو كائن موجود ، لا محالة. وهو تمثيل لتأثير قدرته فى الأشياء ، بأمر المطاع للمطيع فى حصول المأمور ، من غير امتناع وتوقف ، من غير أن يحتاج إلى كاف ولا نون ، وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد ، كأنه يقول : كما لا يثقل عليكم قول «كن» ، فكذلك لا يصعب على الله إنشاؤكم وإعادتكم. قال الكواشي : ثم أومأ إلى كيفية خلقه الأشياء المختلفة فى الزمان المتحد ، وذلك ممتنع على غيره ، فقال : (إِنَّما أَمْرُهُ ...) الآية ، فيحدث من غير توقف ، فمن رفع «فيكون» ،