وجواب القسم : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) لا شريك معه يستحق أن يعبد ، (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وهو خبر بعد خبر ، أو : خبر عن مضمر ، أي : هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) أي : مطالع الشمس ، وهى ثلاث مائة وستون مشرقا ، وكذلك المغارب. تشرق الشمس كلّ يوم فى مشرق منها ، وتغرب فى مغرب ، ولا تطلع ولا تغرب فى واحد يومين. وأما : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١) فإنه أريد مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما. وأما : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٢) فإنه أريد به الجهة ، فالمشرق جهة ، والمغرب جهة. قال الكواشي : لم يذكر المغارب ؛ لأن المشارق تدل عليها.
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) ؛ القربى منكم ، تأنيث الأدنى ، (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) بالإضافة ، أي : بأن زينتها الكواكب ومن قرأ بالتنوين والخفض (٣) فبدل ، أي : هى الكواكب ، ومن قرأ بالنصب فعلى إضمار «أعنى» ، أو : بدل من محل «بزينة» ، أي : زيّنا الكواكب ، أو : على إعمال المصدر منونا فى المفعول ، أي : بتزين الكواكب. قال البيضاوي : وركوز الثوابت فى الكوة الثامنة ، وما عدا القمر من السيارات فى الست المتوسطة بينهما وبين سماء الدنيا إن تحقق لم يقدح فى ذلك ، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة ، متلألئة على سطحها الأزرق. ه.
(وَحِفْظاً) من الشياطين ، كما قال : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) (٤) أو : بإضمار فعله ، أي : حفظناها حفظا (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) ؛ خارج عن الطاعة ، فيرمى بالشهب. (لا يَسَّمَّعُونَ) (٥) (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) : استئناف ؛ لبيان حالهم ، بعد بيان حفظ السماء منهم ، ولا يجوز وصفه لكل شيطان ؛ لأنه يقتضى أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون. والضمير لكلّ باعتبار المعنى ؛ لأنه فى معنى شياطين ، وتعدية (يسمعون) بإلى لتضمنه معنى الإصغاء ؛ مبالغة فى نفيه ، وتهويلا لما يمنعهم عنه. ومن قرأ بالتشديد فأصله : «يتسمّعون» فأدغم. والتسمّع : طلب السماع. يقال : تسمّع فسمع أو لم يسمع إذا منعه مانع. والملأ الأعلى هم : الملائكة ؛ لأنهم فى السموات العلى ، والإنس والجن هم الملأ الأسفل ؛ لأنهم سكان الأرض ، (وَيُقْذَفُونَ) ؛ يرمون بالشهب ، (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) ؛ من جميع جوانب السماء ، من أىّ جهة صعدوا للاستراق.
__________________
(١) الآية ١٧ من سورة الرحمن.
(٢) الآية ٩ من سورة المزمل.
(٣) قرأ حفص ، وحمزة ، بتنوين (زينة) وجر (الكواكب). وقرأ أبو بكر بتنوين (زينة) ونصب (الكواكب). والباقون بحذف التنوين ، على إضافة «زينة» للكواكب. انظر الإتحاف (٢ / ٤٠٨).
(٤) الآية ٥ من سورة الملك.
(٥) قرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي ، بتشديد السين والميم ، والأصل «يتسمعون» فأدغمت التاء. وقرأ الباقون بالتخفيف.
انظر الإتحاف (٢ / ٤٠٨).