(دُحُوراً) ؛ مفعول له ، أي : ويقذفون للدحور ، وهو الطرد ، أو : مدحورين ، على الحال ، أو : لأن القذف والطرد متقاربان فى المعنى ، فيكون مصدرا له ، فكأنه قيل : ويقذفون قذفا ، (وَلَهُمْ عَذابٌ) آخر (واصِبٌ) ؛ دائم ، أو : شديد ، وهو عذاب الآخرة ، أو : عذاب الدنيا ؛ لأنه دائم الوجوب ؛ لأنهم فى الدنيا مرجمون بالشهب دائما ، (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) ، «من» : بدل من ضمير «يسمعون» ، أي : لا يتسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف الخطفة ، أي : اختلس شيئا من كلام الملائكة بسرعة ، (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) أي : نجم مضىء يثقبه ، أو يحرقه ، أو يخبله ، ومنه تكون الغيلان. والله تعالى أعلم.
الإشارة : أقسم الحق تعالى بصفوف الذاكرين ، الزاجرين للخواطر عن قلوبهم ، فى طلب الحضور ، التالين لذكر ربهم لرفع الستور ، إنه منفرد فى ألوهيته ، متوحد فى ربوبيته ؛ إذ هو ربّ كل شىء ، ربّ سموات الأرواح ، وربّ أرض النفوس والأشباح ، وربّ مشارق أنوار العرفان ، وهى قلوب أهل العيان ، ولم يذكر المغارب ؛ لأن شمس القلوب إذا طلعت ليس لها مغيب.
قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا ..) إلخ ، قال القشيري : زيّن السماء بالنجوم ، وزيّن قلوب أوليائه بنجوم المعارف والأحوال. ه. وقوله تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) ، قال القشيري : كذلك حفظ القلوب بأنوار التوحيد ، فإذا قرب منها الشيطان رجمها بنجوم معارفهم ، إلا من خطف الخطفة ، كذلك إذا اغتنم الشيطان من الأولياء أن يلقى شيئا من وساوسه ؛ تذكّروا ، فإذا هم مبصرون. ه.
وقال فى لطائف المنن : إن الله تعالى إذ تولى وليّا صان قلبه من الأغيار ، وحرسه بدوام الأنوار ، حتى لقد قال بعض العارفين : إذا كان سبحانه قد حرس السماء بالكواكب والشهب ؛ كى لا يسترق السمع منها ، فقلب المؤمن أولى بذلك ، لقول الله سبحانه ، فيما يحكيه عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم تسعنى أرضى ولا سمائى ، ووسعني قلب عبدى المؤمن». ه. والمراد : المؤمن الكامل ، الذي تولى الله حفظه ، وهو الولي العارف.
ثم ردّ على من أنكر البعث بعد هذه الدلائل الباهرة ، فقال :
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)