(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي : ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشىء لا يتعظون به. (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) ؛ معجزة ، كانشقاق القمر ، ونحوه ، (يَسْتَسْخِرُونَ) ؛ يبالغون فى السخرية ، ويقولون : إنه سحر ، ويستدعى بعضهم بعضا أن يسخر منها ، (وَقالُوا إِنْ هذا) ؛ ما هذا (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ؛ ظاهر سحريته ، (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي : أنبعث إذا كنا ترابا وعظاما؟ (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) ، فمن فتح الواو عطف على محلّ «إنّ» واسمها ، والهمزة للإنكار ، أي : أو يبعث أيضا آباؤنا الأولون الأقدمون ، على زيادة الاستبعاد ، يعنون أنهم أقدم ، فبعثهم أبعد وأبطل. ومن سكّن (١) فمن عطف أحد الشيئين ، أي : أيبعث واحد منا ، على المبالغة فى الإنكار. (قُلْ نَعَمْ) تبعثون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) ؛ صاغرون.
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي : صيحة واحدة ، وهى النفحة الثانية ، والفاء : جواب شرط مقدر ، أي : إذا كان كذلك فما هى إلا صيحة واحدة ، وهى مبهمة ، يفسرها خبرها. أو : فإنما البعثة زجرة واحدة. والزجرة : الصيحة ، من قولك : زجر الراعي الإبل والغنم : إذا صاح عليها ، (فَإِذا هُمْ) أحياء (يَنْظُرُونَ) إلى سوء أعمالهم ، أو : ينظرون ما يحلّ بهم.
(وَقالُوا يا وَيْلَنا) ، الويل : كلمة يقولها القائل وقت الهلكة ، (هذا يَوْمُ الدِّينِ) ؛ اليوم الذي يدان فيه العباد ، ويجازون بأعمالهم. (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) أي : يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلالة ، (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ، يحتمل أن يكون قوله : (هذا يَوْمُ الدِّينِ) من كلام الكفرة ، بعضهم مع بعض ، وأن يكون من كلام الملائكة لهم ، وأن يكون (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) من كلام الكفرة ، وما بعده كلام الملائكة ، جوابا لهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الإنسان فيه عالمان ، عالم فى غاية الضعف والخسة ، وهى بشريته الطينية ، أصلها من ماء مهين. وعالم فى غاية القوة والكمال ، وهى روحانيته السماوية النورانية ، فإذا حييت الروح بالعلم بالله ، واستولت على البشرية ، استيلاء النار على الفحمة ، أكسبتها القوة والشرف ، وإذا ماتت الروح بالغفلة والجهل ، واستولت عليه البشرية أكسبتها الضعف والذل ، والعارف الكامل هو الذي ينزل كل شىء فى محله ، فينزل الضعف فى ظاهره ، والقوة فى باطنه ، فظاهره يمتد من الوجود بأسره ، وباطنه يمد الوجود بأسره. فمن نظر إلى أصل ظاهره تواضع وعرف قدره ، ولذلك قال سيدنا على كرم الله وجهه : ما لابن آدم والفخر ، وأوله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة ، وفيما بينهما يحمل العذرة. ه.
__________________
(١) قرأ قالون ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، بإسكان الواو ، وقرأ الباقون بالفتح. انظر الإتحاف (٢ / ٤١٠).