الحق والإيمان ، قاله الحسن. وبيانه : أن العرب كانت تتيمن بالسانح (١) عن اليمين من الطير ، ويناسبه ما ذكره ابن عطية فى جملة التأويلات بقوله : ومنها : أن يريد باليمين اليمن ، أي : تأتوننا من جهة النصائح ، والعمل الذي يتيمن به. ه. قلت : والأحسن : أن يقدر معلق الجار ، أي : تأتوننا وتصرفوننا عن طريق أهل اليمين.
(قالُوا) أي : الرؤساء : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي : بل أنتم أبيتم الإيمان ، وأعرضتم عنه مع تمكّنكم منه ، مختارين للكفر ، غير ملجئين إليه ، أو : بل أنتم سبقت منكم الضلالة على إغوائنا ، وإنما نشأ عن إغوائنا دوام كفركم لا استئنافه. (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) وقهر ، نسلبكم به تمكّنكم واختياركم ، (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) أي : بل كنتم قوما مختارين للطغيان ، (فَحَقَّ عَلَيْنا) أي : لزمنا جميعا (قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) ، يعنى : حقت علينا كلمته بأنا ذائقون لعذابه. ولو حكى الوعيد على ما هو لقال : إنكم لذائقون ، لكنه عدل به إلى لفظ المتكلم ؛ لأنهم يتكلّمون بذلك عن أنفسهم. ثم قالوا لضعفائهم : (فَأَغْوَيْناكُمْ) ؛ فدعوناكم إلى الغي (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) ؛ فأردنا إغواءكم لتكونوا مثلنا ، (فَإِنَّهُمْ) أي : الأتباع والمتبوعين جميعا ، (يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا مشتركين فى الغواية. (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ؛ المشركين ، أي : مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم.
الإشارة : ويقال على طريق العكس : احشروا الذين أحسنوا واتقوا ربهم ، وأزواجهم ، ومن انتسب إليهم ، فاهدوهم إلى طريق الجنان ، وقفوهم يشفعوا فيمن تعلّق بهم ، إنهم مسؤولون عن أصحابهم وعشائرهم ، حتى يخلصوهم من ورطة الحساب. ما لكم لا تناصرون ، فينصر بعضكم بعضا فى هذا الموطن الهائل ، بل هم اليوم منقادون لأمر الله ، حتى يأذن لهم فى الشفاعة. وفى الحديث : «اتّخذوا يدا عند الفقراء ، فإن لهم دولة يوم القيامة» (٢) ودولتهم : الشفاعة فيمن أحبهم وأحسن إليهم. والفقراء هم المتوجهون إلى الله تعالى ، حتى وصلوا إلى حضرته. ومن صدّ الناس عن طريقه وصحبتهم ، يتعلق به المخذول عنهم ، فيقول له : (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ...) الآية.
ثم ذكر سبب ورودهم العذاب ، فقال :
(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩))
__________________
(١) السانح : ما أتاك عن يمينك من ظبى أو طائر ، أو غير ذلك ، والبارح : ما أتاك من ذلك عن يسارك. انظر اللسان (سنح ٣ / ٢١١٢).
(٢) عزاه السيوطي فى الجامع الصغير (ح ١٠٤) لأبى نعيم فى الحلية ، عن الحسين بن على رضي الله عنه. والحديث ضعفه السيوطي.